للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ: قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: أَجمَعوا على أنَّ من لم يَكنْ عندَه إلا اليَّسيرُ التافِهُ من المالِ لا تُندبُ له الوَصيةُ.

وفي نَقلِ الإِجماعِ نَظرٌ، فالثابِتُ عن الزُّهريِّ أنَّه قالَ: جعَلَ اللهُ الوَصيةَ حَقًّا فيما قَلَّ أو كثُرَ، والمُصرَّحُ به عندَ الشافِعيةِ نَدبيةُ الوَصيةِ من غيرِ تَفريقٍ بينَ قَليلٍ وكَثيرٍ، نَعمْ قالَ أَبو الفَرجِ السَّرخَسيُّ منهم: إنْ كانَ المالُ قَليلًا والعِيالُ كَثيرًا استُحبَّ له تَوفيرُه عليهم، وقد تَكونُ الوَصيةُ بغيرِ المالِ، كأنْ يُعينَ مَنْ يَنظرُ في مَصالحِ وَلدِه أو يَعهدَ إليهم بما يَفعَلونَه مِنْ بَعدِه من مَصالحِ دِينِهم ودُنياهم، وهذا لا يَدفعُ أحدٌ نَدبيَّتَه.

واختُلفَ في حدِّ المالِ الكَثيرِ في الوَصيةِ، فعن علِيٍّ أنَّ سَبعَمِئةٍ مالٌ قَليلٌ، وعنه: ثَمانُمِئةٍ مالٌ قَليلٌ، وعن ابنِ عَباسٍ نَحوُه، وعن عائِشةَ فيمَن ترَكَ عِيالًا كَثيرًا وترَكَ ثَلاثةَ آلافٍ: ليسَ هذا بمالٍ كَثيرٍ، وحاصِلُه أنَّه أمرٌ نِسبيٌّ يَختلِفُ باختِلافِ الأَشخاصِ والأَحوالِ، واللهُ أعلَمُ (١).

وقالَ الإِمامُ الشافِعيُّ : وإذا أوصَى الرَّجلُ فواسِعٌ له أنْ يَبلغَ الثُّلثَ، وقالَ في قَولِ النَّبيِّ لسَعدٍ: «الثُّلثُ والثُّلثُ كَثيرٌ أو كَبيرٌ، إنَّك أنْ تَدعَ وَرثتَك أَغنياءَ خَيرٌ من أنْ تَذرَهم عالةً يَتكفَّفونَ الناسَ» (٢)، قالَ الشافِعيُّ: غَيًّا، كما قالَ من بَعدِه في الوَصايا، وذلك بَيِّنٌ في


(١) «فتح الباري» (٥/ ٣٥٦، ٣٥٧).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقدَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>