للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ قُدامةَ: واختَلفَ أهلُ العِلمِ في القَدرِ الذي لا يُستحبُّ له لمالِكِه، فرُويَ عن أَحمدَ إذا ترَكَ دونَ الألفِ لا تُستحبُّ الوَصيةُ، وعن علِيٍّ إذا ترَكَ دونَ أربَعَمِئةِ دِينارٍ، وقالَ ابنُ عَباسٍ: إذا ترَكَ المَيتُ سَبعَمِئةِ دِرهمٍ لا يُوصي، وقالَ: مَنْ ترَكَ سِتينَ دِينارًا ما ترَكَ خَيرًا، وقالَ طاوُسٌ: الخَيرُ ثَمانونَ دِينارًا، وقالَ النَّخعيُّ: ألفٌ وخَمسُمِئةٍ، وقالَ أَبو حَنيفةَ: القَليلُ أنْ يُصيبَ أقَلَّ الوَرثةِ منها خَمسونَ دِرهمًا.

والذي يَقوَى عندي أنَّه متى كانَ المَتروكُ لا يَفضُلُ على غِنى الوَرثةِ فلا تُستحبُّ الوَصيةُ؛ لأنَّ النَّبيَّ علَّلَ المَنعَ من الوَصيةِ بقَولِه: «أنْ تَتركَ وَرثتَك أَغنياءَ خَيرٌ من أنْ تَدعَهم عالةً»، ولأنَّ إِعطاءَ القَريبِ المُحتاجِ خَيرٌ من إِعطاءِ الأَجنبيِّ، فمَتى لم يَبلغِ المِيراثُ غِناهم كانَ تَركُه لهم كعَطيَّتِهم إياه، فيَكونُ ذلك أفضَلَ من الوَصيةِ به لغيرِهم، فعندَ هذا يَختلِفُ الحالُ باختِلافِ الوَرثةِ في كَثرتِهم وقِلتِهم وغِناهم وحاجتِهم فلا يَتقيَّدُ بقَدرٍ من المالِ واللهُ أعلَمُ.

وقد قالَ الشَّعبيُّ: ما من مالٍ أعظَمَ أجرًا من مالٍ يَترُكُه الرَّجلُ لوَلدِه يُغنِيهم به عن الناسِ (١).

وقالَ زَينُ الدِّينِ العِراقيُّ: وقالَ أَبو الفَرجِ السَّرخَسيُّ من الشافِعيةِ: إنَّ مَنْ قَلَّ مالُه وكثُرَ عِيالُه يُستحبُّ ألَّا يُفوِّتَه عليهم بالوَصيةِ، والصَّحيحُ المَعروفُ عندَ الشافِعيةِ استِحبابُ الوَصيةِ لمَن له مالٌ مُطلَقًا (٢).


(١) «المغني» (٦/ ٥٦).
(٢) «طرح التثريب» (٦/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>