للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلامِه؛ لأنَّه إنَّما قصَدَ اختيارَ أنْ يَتركَ المُوصي وَرثتَه أَغنياءَ، فإذا ترَكَهم أَغنياءَ اختَرتُ له أنْ يَستوعِبَ الثُّلثَ، وإذا لم يَدَعْهم أَغنياءَ كرِهتُ له أنْ يَستوعبَ الثُّلثَ، وأنْ يُوصيَ بالشَيءِ حتى يَكونَ يَأخذُ بالحَظِّ من الوَصيةِ، ولا وَقتَ في ذلك إلا ما وقَعَ عليه اسمُ الوَصيةِ لمَن لم يَدَعْ كَثيرَ مالٍ، ومَن ترَكَ أقَلَّ ممَّا يُغني وَرثتَه وأكثَرَ من التافِهِ زادَ شَيئًا في وَصيتِه، ولا أُحبُّ بُلوغَ الثُّلثِ إلا لمَن ترَكَ وَرثتَه أَغنياءَ.

قالَ الشافِعيُّ: في قَولِ النَّبيِّ : «الثُّلثُ والثُّلثُ كَثيرٌ أو كَبيرٌ» يَحتملُ: الثُّلثُ غيرُ قَليلٍ، وهو أَولى مَعانيه؛ لأنَّه لو كرِهَه لسَعدٍ لقالَ له: غُضَّ منه، وقد كانَ يَحتملُ أنَّ له بُلوغَه ويَجبُ له الغَضُّ منه، وقَلَّ كَلامٌ إلا وهو مُحتملٌ، وأَوْلى مَعاني الكَلامِ به ما دَلَّ عليه الخَبَرُ، والدِّلالةُ ما وَصفتُ من أنَّه لو كرِهَه لسَعدٍ لأمَرَه أنْ يَغضَّ منه.

قيلَ للشافِعيِّ: فهل اختَلفَ الناسُ في هذا؟ قالَ: لم أعلَمْهم اختلَفوا في أنَّه جائزٌ لكل مُوصٍ أنْ يَستكملَ الثُّلثَ قَلَّ ما ترَكَ أو كثُرَ، وليسَ بجائِزٍ له أنْ يُجاوزَه.

فقيلَ للشافِعيِّ: وهل اختلَفوا في اختِيارِ النَّقصِ عن الثُّلثِ أو بُلوغِه؟ قالَ: نَعَمْ، وفيما وَصَفتُ لك من الدِّلالةِ عن رَسولِ اللهِ ما أَغنَى عما سِواه (١).


(١) «الأم» (٤/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>