وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: أجمَعوا على أنَّ الوَصيةَ غيرُ واجِبةٍ إلا على مَنْ عليه حُقوقٌ بغيرِ بَيِّنةٍ وأَمانةٍ بغيرِ إِشهادٍ، إلا طائِفةً شَذَّت فأوجَبَتها.
رُويَ عن الزُّهريِّ أنَّه قالَ: جعَلَ اللهُ الوَصيةَ حَقًّا ممَّا قَلَّ أو كثُرَ، وقيلَ لأَبي مِجلَزٍ: على كلِّ مَيتٍ وَصيةٌ؟ قالَ: إنْ ترَكَ خَيرًا.
وقالَ أَبو بَكرِ بنُ عبدِ العَزيزِ: هي واجِبةٌ للأَقرَبينَ الذين لا يَرِثونَ. وهو قَولُ داودَ، وحُكيَ ذلك عن مَسروقٍ وطاوُسٍ وإِياسٍ وقَتادةَ وابنِ جَريرٍ، واحتَجُّوا بالآيةِ وخَبَرِ ابنِ عُمرَ وقالوا: نُسخَت الوَصيةُ للوالِدَينِ والأَقرَبينَ الوارِثينَ وبَقيَت فيمَن لا يَرثُ من الأَقرَبينَ.
ولنا: أنَّ أكثَرَ أَصحابِ رَسولِ اللهِ ﷺ لم يُنقَلْ عنهم وَصيةٌ، ولم يُنقَلْ لذلك نَكيرٌ، ولو كانَت واجِبةً لم يُخِلُّوا بذلك ولنُقِلَ عنهم نَقلًا ظاهِرًا، ولأنَّها عَطيةٌ لا تَجبُ في الحَياةِ فلا تَجبُ بعدَ المَوتِ كعَطيةِ الأَجانبِ، فأمَّا الآيةُ فقالَ ابنُ عَباسٍ: نسَخَها قَولُه ﷾: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧]، وقالَ ابنُ عُمرَ: نسَخَتها آيةُ المِيراثِ. وبه قالَ عِكرِمةُ ومُجاهدٌ ومالِكٌ والشافِعيُّ.
وذهَبَ طائِفةٌ ممَّن يَرى نَسخَ القُرآنِ بالسُّنةِ إلى أنَّها نُسخَت بقَولِ النَّبيِّ ﷺ:«إنَّ اللهَ قد أعطى كلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه فلا وَصيةَ لوارِثٍ»، وحَديثُ ابنِ عُمرَ مَحمولٌ على مَنْ عليه واجِبٌ أو عندَه وَديعةٌ (١).