للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ مالِكٌ وسُفيانُ الثَّوريُّ والأَوزاعيُّ وأَبو حَنيفةَ والشافِعيُّ وأَصحابُهم: إذا أَوصَى لغيرِ قَرابتِه وترَكَ قَرابتَه مُحتاجِينَ أو غيرَ مُحتاجينَ جازَ ما صنَعَ، وبئسَما فعَلَ إذا ترَكَ قرابَتَه مُحتاجينَ وأَوصَى لغيرِهم، وبه قالَ أَحمدُ بنُ حَنبلٍ: وهو قَولُ عُمرَ وعائِشةَ وابنِ عَباسٍ وعَطاءٍ ومُجاهدٍ وقَتادةَ وسَعيدِ بنِ جُبيرٍ وجُمهورِ أهلِ العِلمِ، واحتَجَّ الشافِعيُّ وغيرُه في جَوازِ الوَصيةِ لغيرِ الأَقاربِ بحَديثِ عِمرانَ بنِ حُصَينٍ في الذي أعتَقَ سِتةَ أعبُدٍ له عندَ مَوتِه في مَرضِه لا مالَ له غيرَهم فأقرَعَ رَسولُ اللهِ بينَهم فأعتَقَ اثنَينِ وأرَقَّ أربَعةً، فهذه وَصيةٌ لهم في ثُلثِه؛ لأنَّ أَفعالَ المَريضِ كلَّها وَصيةٌ في ثُلثِه، وهُم لا مَحالةَ من غيرِ قَرابتِه، وحَسبُكَ بجَماعةِ أهلِ الفِقهِ والحَديثِ يُجيزونَ الوَصيةَ لغيرِ القَرابةِ، وفي ذلك ما يُبيِّنُ لك المُرادَ من مَعاني الكِتابِ وباللهِ العِصمةُ والتَّوفيقُ (١).

وذهَبَ الإِمامُ أَبو بَكرِ بنُ عبدِ العَزيزِ من الحَنابِلةِ وجَماعةٌ من العُلماءِ إلى أنَّ الوَصيةَ للأَقرَبينَ الذين لا يَرِثونَ واجِبةٌ.

قالَ الإِمامُ ابنُ قُدامةَ: ولا تَجبُ الوَصيةُ إلا على مَنْ عليه دَينٌ أو عندَه وَديعةٌ أو عليه واجِبٌ يُوصي بالخُروجِ منه؛ فإنَّ اللهَ تَعالى فرَضَ أَداءَ الأَماناتِ، وطَريقُه في هذا البابِ الوَصيةُ، فتَكونُ مَفروضةً عليه، فأمَّا الوَصيةُ بجُزءٍ من مالِه فليسَت بواجِبةٍ على أحدٍ في قَولِ الجُمهورِ، وبذلك قالَ الشَّعبيُّ والنَّخعيُّ والثَّوريُّ ومالِكٌ والشافِعيُّ وأَصحابُ الرأيِ وغيرُهم،


(١) «التمهيد» (٣٠٠، ٣٠٢)، و «الاستذكار» (٧/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>