للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ قالَ قائِلٌ: فأينَ الدِّلالةُ على أنَّ الوَصيةَ لغيرِ ذي الرَّحمِ جائِزةٌ؟ قيلَ له -إنْ شاءَ اللهُ تَعالى-: حَديثُ عِمرانَ بنِ حُصينٍ «أنَّ رَجلًا أعتَقَ سِتةَ مَملوكينَ له ليسَ له مالٌ غيرُهم، فجَزَّأهم النَّبيُّ ثَلاثةَ أجزاءٍ، فأعتَقَ اثنَينِ وأرَقَّ أربَعةً» (١) والمُعتَقُ عَربيٌّ، وإنَّما كانَت العَربُ تَملِكُ مَنْ لا قَرابةَ بينَها وبينَه، فلو لم تَجُزِ الوَصيةُ إلا لذي قَرابةٍ لم تَجُزْ للمَملوكينَ، وقد أجازَها لهم رَسولُ اللهِ (٢).

وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : اختلَفوا فيمَن أوصَى لغيرِ قَرابتِه وترَكَ قَرابتَه الذين لا يَرِثونَ، فرُويَ عن عُمرَ أنَّه أوصى لأُمَّهاتِ أَولادِه لكلِّ واحِدةٍ بأربَعةِ آلافٍ، ورُويَ عن عائِشةَ أنَّها أوصَت لمَولاةٍ لها بأَثاثِ البَيتِ، ورُويَ عن سالِمٍ مِثلُ ذلك، قالَ الضَّحاكُ: «إنْ أوصَى لغيرِ قَرابتِه فقد ختَمَ عَملَه بمَعصيةٍ»، وقالَ طاوُسٌ: «مَنْ أوصَى فسَمَّى غيرَ قَرابتِه وترَكَ قَرابَتَه مُحتاجينَ رُدَّت وَصيتُه على قَرابتِه» ذكَرَه عبدُ الرَّزاقِ عن مَعمَرٍ عن ابنِ طاوُسٍ عن أَبيه، وهو مَشهورٌ عن طاوُسٍ، ورُويَ عن الحَسنِ البَصريِّ مِثلُه، وقالَ الحَسنُ أيضًا وجابِرُ بنُ زَيدٍ وسَعيدُ بنُ المُسيِّبِ: «إذا أوصَى لغيرِ قَرابتِه وترَكَ قرابَتَه؛ فإنَّه يَردُّ إلى قَرابتِه ثُلثَي الثُّلثِ ويُمضي ثُلثَه لمَن أوصَى له»، وبه قالَ إِسحاقُ بنُ رَاهَوَيهِ، ذكَرَه إِسحاقُ الكَوسَجُ عنه حدَّثَناه أَحمدُ بنُ مُحمدِ بنِ أَحمدَ وعُبيدُ بنُ مُحمدٍ قالا: حَدَّثنا الحَسنُ ابنُ سَلمةَ قالَ: حَدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ الجارودِ قالَ: حَدَّثنا إِسحاقُ بنُ مَنصورٍ عن إِسحاقَ فذكَرَه.


(١) أخرجه مسلم (١٦٦٨).
(٢) «الأم» (٤/ ٩٨، ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>