للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندَ الحَنابلَةِ: لو نَوى المُسافِرُ الإِقامةَ أكثرَ مِنْ عِشرينَ صَلاةً أتَمَّ؛ لحَديثِ جابرٍ وابنِ عَباسٍ : «أنَّ النَّبيَّ قدِمَ مَكةَ صَبيحةَ رابِعةِ ذي الحِجةِ، فأقامَ بها الرابِعَ والخامِسَ والسَّادسَ والسابعَ، وصلَّى الصُّبحَ في اليَومِ الثاني، ثم خرَجَ إلى منًى، وكانَ يَقصُرُ الصَّلاةَ في هذه الأيَّامِ، وقد عزَمَ على إقامَتِها».

ولو نَوى المُسافِرُ إقامَةً مُطلَقةً بأن لم يَحُدَّها بزَمنٍ مُعيَّنٍ في بَلدَةٍ أتَمَّ؛ لزَوالِ السَّفرِ المُبيحِ للقَصرِ بنيَّةِ الإِقامةِ، ولو شَكَّ في نيَّتِه هل نَوى إقامةَ ما يَمنَعُ القَصرَ أو لا؟ أتَمَّ لأنَّه الأصلُ؛ فلا يَنتقِلُ عنه مع الشَّكِّ وإن لم يَنوِ إقامةَ أكثرَ مِنْ عِشرينَ صَلاةً، بأن نَوى عِشرينَ فأقَلَّ قصَرَ لمَا تَقدَّم، ويَومُ الدُّخولِ ويَومُ الخُروجِ يُحسَبانِ مِنْ المدَّةِ، فلو دخَلَ عندَ الزَّوالِ احتَسبَ ما بقِيَ مِنْ اليَومِ، ولو خرَجَ عندَ العَصرِ احتَسبَ ما مَضَى مِنْ اليَومِ.

وإن أقامَ المُسافِرُ لِقَضاءِ حاجةٍ يَرجو نَجاحَها، أو جِهادِ عَدوٍّ، وسَواءٌ غلَبَ على ظَنِّه انقِضاءُ حاجَتِه في مدَّةٍ يَسيرةٍ أو كَثيرةٍ، بعدَ أن يَحتمِلَ انقِضاؤُها في مدَّةٍ لا يَنقطِعُ حكمُ السَّفرِ بها -بلا نيَّةِ إقامَةٍ تَقطَعُ حُكمَ السَّفرِ- وهي إقامةُ أكثرَ مِنْ عِشرينَ صَلاةً، ولا يَعلَمُ قَضاءَ الحاجَةِ قبلَ المدَّةِ -أي: مُدةَّ أَكثرَ مِنْ عِشرينَ صَلاةً- ولو كانَ العِلمُ ظَنًّا لِإجرائِه مَجرَى اليَقينِ حيثُ يَتعذَّرُ أو يَتعسَّرُ، أو حُبس ظُلمًا، أو حبَسَه مَطرٌ أو مرَضٌ ونَحوُه، (قصَرَ أبدًا)؛ لأنَّه «أقامَ بتَبوكَ عِشرينَ يَومًا يَقصُرُ الصَّلاةَ» (١)، لمَّا


(١) حَديثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (١٢٣٥)، وأحمد (٣/ ٢٩٥)، وابن حبَّان في «صحيحه» (٣/ ٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>