للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَفرُه بوُصولِه -أي: بوُصولِ ذلك المَوضِعِ-، سَواءٌ أكانَ مَقصدُه أم في طَريقِه، أو نَوى بمَوضعٍ وصَلَ إليه إقامةَ أربَعةِ أيَّامٍ انقَطعَ سَفرُه بالنِّيةِ مع مُكثِه إن كانَ مُستَقِلًّا.

ولو أقامَ أربعَةَ أيَّامٍ بلا نيَّةٍ انقَطعَ سَفرُه بتَمامِها؛ لأنَّ اللهَ تَعالى أباحَ القَصرَ بشَرطِ الضَّربِ في الأرضِ، والمُقيمُ والعازِمُ على الإِقامةِ غيرُ ضارِبٍ في الأرضِ، والسُّنةُ بيَّنت أنَّ ما دونَ الأربَعِ لا يَقطعُ السَّفرَ، ففِي الصَّحيحَينِ: «يُقيمُ المُهاجِرُ بعدَ قَضاءِ نُسكِه ثَلاثًا» (١). وكانَ يَحرمُ على المُهاجِرينَ الإِقامةُ بمَكةَ ومُساكَنةُ الكُفَّارِ، فالتَّرخُّصُ في الثَّلاثةِ يَدلُّ على بَقاءِ حُكمِ السَّفرِ، بخِلافِ الأربَعةِ. ومنَعَ عمرُ أهلَ الذِّمةِ الإِقامةَ في الحِجازِ، ثم أذِنَ للتَّاجرِ منهم أن يُقيمَ ثَلاثةَ أيَّامٍ. رَواه مالِكٌ بإِسنادٍ صَحيحٍ، وفي مَعنى الثَّلاثةِ ما فوقَها، ودُونَ الأربَعةِ، وألحَقَ بإقامَةِ الأربَعةِ بنيَّةِ إقامَتِها.

أمَّا لو نَوى الإِقامةَ وهو سائِرٌ فلا يُؤثِّرُ؛ لأنَّ سَببَ القَصرِ السَّفرُ، وهو مَوجودٌ حَقيقةً. ولا يُحسَبُ منها -أي: الأربَعةِ- يومَا دُخولِه وخُروجِه، إذا دخَلَ نَهارًا، على الصَّحيحِ؛ لأنَّ في الأوَّلِ الحَطَّ، وفي الآخَرِ الرَّحيلَ، وهُما مِنْ أَشغالِ السَّفرِ.

والثانية: يُحسَبانِ كما يُحسَبُ في مدَّةِ مَسحِ الخُفِّ يَومُ الحَدثِ ويَومُ النَّزعِ، وفَرقُ الأوَّلِ أنَّ المُسافِرَ لا يَستوعِبُ النَّهارَ بالسَّيرِ، وإنَّما يَسيرُ في


(١) رواه البُخاري (٣٧١٨)، ومسلم (١٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>