للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : «اختلَفُوا فيمَن نذَرَ مَعصيةً، فقالَ مالكٌ والشافِعيُّ وجُمهورُ العُلماءِ ليسَ يَلزمُه في ذلك شيءٌ».

وقالَ أَبو حَنيفةَ وسُفيانُ والكُوفيونَ: «بل هو لازمٌ، واللازمُ عندَهم فيه هو كَفارةُ يَمينٍ لا فِعلُ المَعصيةِ».

وسَببُ اختِلافِهم تَعارضُ ظَواهرِ الآثارِ في هذا البابِ، وذلك أنَّه رُويَ في هذا البابِ حَديثانِ: حَديثُ عائشةَ عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «مَنْ نذَرَ أنْ يُطيعَ اللهَ فليُطعْه، ومَن نذَرَ أنْ يَعصيَ اللهَ فلا يَعصِه» فظاهرُ هذا أنَّه لا يَلزمُ النَّذرُ بالعِصيانِ.

والحَديثُ الثانِي حَديثُ عِمرانَ بنِ حُصينٍ وحَديثُ أَبي هُريرةَ الثابتِ عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «لا نَذرَ في مَعصيةِ اللهِ وكَفارتُه كَفارةُ يَمينٍ» (١) وهذا نَصٌّ في مَعنى اللُّزومِ فمَن جمَعَ بينَهما في هذا قالَ: الحَديثُ الأوَّلُ تَضمنَ الإِعلامَ بأنَّ المَعصيةَ لا تَلزمُ، وهذا الثانِي تَضمنَ لُزومَ الكَفارةِ، فمَن رجَّحَ ظاهرَ حَديثِ عائشةَ إذْ لمْ يَصحَّ عندَه حَديثُ عِمرانَ وأَبي هُريرةَ قالَ: ليسَ يَلزمُ في المِعصيةِ شيءٌ.

ومَن ذهَبَ مَذهبَ الجَمعِ بينَ الحَديثينِ أوجَبَ في ذلك كَفارةَ يَمينٍ.

قالَ أَبو عُمرَ بنُ عَبدِ البَرِّ: «ضعف أهل الحديث حَديث عمران وأبي هُريرةَ قالوا لأنَّ حَديثَ أَبي هُريرةَ يَدورُ على سُليمانَ بنِ أَرقمَ وهو مَتروكُ الحَديثِ.


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٢٩٠)، والترمذي (١٥٢٤)، وابن ماجه (٢١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>