القَولُ الثانِي: مَذهبُ الحَنفيةِ والإمامِ مالِكٍ في رِوايةِ أشهَبَ عنه أنَّه لا يَجوزُ تَقديمُ الكَفارةِ على الحِنثِ؛ لأنَّه حَقٌّ في مالٍ يَتعلَّقُ بسَببٍ لحَقِّ اللهِ فلم يَجُزْ تَقديمُه على وَقتِ وُجوبِه كسائِرِ الكَفاراتِ، ولأنَّه لم يَحنَثْ فلم يَكنْ للكَفارةِ حُكمٌ، كما لو أخرَجَها قبلَ اليَمينِ، ولأنَّ الحِنثَ هو الموجِبُ للكَفارةِ فلا يَجوزُ أن يُؤخَذَ مِنْ غيرِ وُجوبِها.
ولأنَّ الكَفارةَ لسَتْرِ الجِنايةِ، ولا جِنايةَ قبلَ الحِنثِ؛ لأنَّها مَنوطةٌ به لا باليَمينِ؛ لأنَّه ذكَرَ اللَّهَ على وَجهِ التَّعظيمِ (١).
القَولُ الثالِثُ: هو مَذهبُ الشافِعيةِ أنَّه يَجوزُ تَقديمُ الكَفارةِ قبلَ الحِنثِ بالإِطعامِ والكِسوةِ والعِتقِ، ولا تُجزِئُ بالصَّومِ، فلا يَجوزُ قبلَ الحِنثِ؛ لأنَّه عِبادةٌ بَدَنيةٌ فلا يَجوزُ تَقديمُها على وَقتِها كالصَّلاةِ وصَومِ رَمضانَ، وأمَّا التَّكفيرُ بالمالِ فيَجوزُ تَقديمُه كما يَجوزُ تَعجيلُ الزَّكاةِ.
قالَ الإمامُ الشافِعيُّ: فمَن حلَفَ على شَيءٍ فأرادَ أن يَحنَثَ فأحَبُّ إلَيَّ لو لم يُكفِّرْ حتى يَحنَثَ، وإن كفَّرَ قبلَ الحِنثِ بإِطعامٍ رَجوتُ أنْ يُجزِئَ
(١) «الهداية» (٢/ ٧٥)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٨٤)، و «العناية شرح الهداية» (٦/ ٤٧٩)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٢٩)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٢٨١، ٢٨٢)، و «شرح صحيح البخاري» (٦/ ١٨٥، ١٨٦)، و «الاستذكار» (٥/ ١٩٦)، و «تفسير القرطبي» (٦/ ٢٧٥).