للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، وإن كفَّرَ بصَومٍ قبلَ الحِنثِ لم يُجْزِ عنه، وذلك أنا نَزعُمُ أنَّ للَّهِ حَقًّا على العِبادِ في أنفُسِهم وأَموالِهم، فالحَقُّ الذي في أَموالِهم إذا قدَّموه قبلَ مَحَلِّه أجزَأهم، وأصلُ ذلك أنَّ النَّبيَّ تَسَلَّفَ مِنْ العَباسِ صَدَقةَ عامٍ قبلَ أن يَدخُلَ، وأنَّ المُسلِمينَ قد قَدَّموا صَدقةَ الفِطرِ قبلَ أنْ يَكونَ الفِطرُ، فجَعَلنا الحُقوقَ التي في الأَموالِ قِياسًا على هذا، فأمَّا الأَعمالُ التي على الأَبدانِ فلا تُجزئُ إلا بعدَ مَواقيتِها، كالصَّلاةِ التي لا تُجزئُ إلا بعدَ الوَقتِ، والصَّومِ الذي لا يُجزِئُ إلا في الوَقتِ، أو القَضاءِ بعدَ الوَقتِ في الحَجِّ الذي لا يُجزِئُ العَبدَ ولا الصَّغيرَ مِنْ حَجةِ الإِسلامِ؛ لأنَّهما حَجَّا قبلَ أنْ يَجبَ عليهما (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ: الفَصلُ الثالِثُ: مَتى تَرفَعُ الكَفارةُ الحِنثَ؟ وكم تَرفَعُ؟ وأمَّا مَتى تَرفَعُ الكَفارةُ الحِنثَ وتَمحوه فإنَّهم اختَلَفوا في ذلك، فقالَ الشافِعيُّ: إذا كفَّرَ بعدَ الحِنثِ أو قَبلَه فقد ارتَفعَ الإثمُ، وقالَ أَبو حَنيفةَ: لا يَرتفِعُ الحِنثُ إلا بالتَّكفيرِ الذي يَكونُ بعدَ الحِنثِ، لا قَبلَه، ورُويَ عن مالِكٍ في ذلك القَولانِ جَميعًا.

وسَببُ اختِلافِهم شَيئانِ، أحَدُهما: اختِلافُ الرِّوايةِ في قَولِه : «مَنْ حلَفَ على يَمينٍ فرَأى غَيرَها خَيرًا منها فليَأتِ الذي هو خَيرٌ وليُكَفِّرْ عن يَمينِه» فإنَّ قَومًا رَوَوه هكذا، وقَومًا روَوه: «فليُكفِّرْ عن يَمينِه وليَأتِ


(١) «الأم» (٧/ ٦٣)، و «الحاوي الكبير» (١٥/ ٢٩٠، ٢٩١)، و «شرح صحيح مسلم» (١١/ ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>