إِطعامِ الكَفاراتِ غيرُ هذا، وليسَ في مَوضعٍ واحِدٍ منها تَقديرُ ذلك بمُدٍّ ولا رِطلٍ.
وصَحَّ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ لمَن وَطِئَ في نَهارِ رَمضانَ:«أطعِمْ سِتِّينَ مِسكينًا»، وكذلك قالَ للمُظاهِرِ ولم يَحُدَّ ذلك بمُدٍّ ولا رِطلٍ.
فالذي دَلَّ عليه القُرآنُ والسُّنةُ أنَّ الواجِبَ في الكَفاراتِ والنَّفقاتِ هو الإِطعامُ لا التَّمليكُ، وهذا هو الثابِتُ عن الصَّحابةِ ﵃.
ولا حُجةَ في أحَدٍ دونَ اللهِ ورَسولِه وإِجماعِ الأُمةِ، وقد أمَرَنا تَعالى أنْ نَرُدَّ ما تَنازَعنا فيه إليه وإلى رَسولِه، وذلك خَيرٌ لنا حالًا وعاقِبةً، ورَأينا اللهَ سُبحانَه قالَ في الكَفارةِ: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ [المائدة: ٨٩] و: ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤]، فعلَّقَ الأمرَ بالمَصدَرِ الذي هو الإِطعامُ، ولم يَحُدَّ لنا جِنسَ الطَّعامِ ولا قَدْرَه، وحَدَّ لنا جِنسَ المُطعَمينَ وقَدْرَهم، فأطلَقَ الطَّعامَ وقيَّدَ المَطعومينَ، ورَأيناه سُبحانَه حَيثُ ذكَرَ إِطعامَ المِسكينِ في كِتابِه فإنَّما أرادَ به الإِطعامَ المَعهودَ المُتعارَفَ، كقَولِه تَعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا﴾ [البلد: ١٢، ١٥]، وقالَ: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)﴾ [الإنسان: ٨]، وكانَ مِنْ المَعلومِ يَقينًا أنَّهم لو غَدَّوْهم أو عَشَّوْهم أو أطعَموهم خُبزًا ولَحمًا أو خُبزًا ومَرَقًا ونَحوَه لَكانوا مَمدوحينَ داخِلينَ فيمَن أَثنى عليهم، وهو سُبحانَه عدَلَ عن الطَّعامِ الذي هو اسمٌ للمَأكولِ إلى الإِطعامِ الذي هو مَصدَرٌ صَريحٌ، وهذا نَصٌّ في أنَّه إذا أطعَمَ المَساكينَ ولم يُملِّكْهم فقد امتَثلَ ما أُمِرَ به وصَحَّ في كلِّ لُغةٍ وعُرفٍ أنَّه أطعَمَهم.