للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في غيرِ هذا المَوضعِ وبَيَّنَّا أنَّ هذا القَولَ هو الصَّوابُ الذي يَدُلُّ عليه الكِتابُ والسُّنةُ والاعتِبارُ، وهو قِياسُ مَذهبِ أحمدَ وأُصولِه، فإنَّ أصلَه أنَّ ما لم يُقدِّرْه الشارِعُ يُرجَعُ فيه إلى العُرفِ، وهذا لم يُقدِّرْه الشارِعُ، فيُرجَعُ فيه إلى العُرفِ، لا سيَّما مع قَولِه تَعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، فإنَّ أحمدَ لا يُقدِّرُ طَعامَ المَرأةِ والوَلَدِ ولا المَملوكِ، ولا يُقدِّرُ أُجرةَ الأَجيرِ المُستأجَرِ بطَعامِه وكِسوَتِه في ظاهِرِ مَذهَبِه، ولا يُقدِّرُ الضِّيافةَ الواجِبةَ عندَه قَولًا واحِدًا، ولا يُقدِّرُ الضِّيافةَ المَشروطةَ على أهلِ الذِّمةِ للمُسلِمينَ في ظاهِرِ مَذهبِه، هذا مع أنَّ هذه واجِبةٌ بالشَّرطِ، فكَيفَ يُقدِّرُ طَعامًا واجِبًا بالشَّرعِ بل ولا يُقدِّرُ الجِزيةَ في أظهَرِ الرِوايتَينِ عنه ولا الخَراجَ، ولا يُقدِّرُ أيضًا الأَطعِمةَ الواجِبةَ مُطلَقًا، سَواءٌ وجَبَت بشَرعٍ أو شَرطٍ، ولا غيرَ الأطعِمةِ مما وجَبَت مُطلَقًا؟! فطَعامُ الكَفارةِ أَولى ألَّا يُقدَّرَ.

و «الأقسامُ ثَلاثةٌ» فما له حَدٌّ في الشَّرعِ أو اللُّغةِ رُجِعَ في ذلك إليهما، وما ليسَ له حَدٌّ فيهما رُجِعَ فيه إلى العُرفِ (١).

وقالَ ابنُ القَيِّمِ : الذي دَلَّ عليه القُرآنُ والسُّنةُ أنَّ الواجِبَ في الكَفارةِ الإطعامُ فقط، لا التَّمليكُ، قال تَعالى في كَفارةِ اليَمينِ: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة ٨٩]، وقالَ في كَفارةِ الظِّهارِ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤]، وقالَ في فِديةِ الأذى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، وليسَ في القُرآنِ في


(١) «مجموع الفتاوى» (٣٥/ ٣٤٩، ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>