[المائدة: ٨٩]، فمَتى كانَ واجِدًا فعليه أنْ يُكفِّرَ بإحدى الثَّلاثِ، فإنْ لم يَجِدْ فصيامُ ثَلاثةِ أيامٍ، وإذا اختارَ أنْ يُطعِمَ عَشَرةَ مَساكينَ فله ذلك، «ومِقدارُ ما يُطعِمُ» مَبنيٌّ على أصلٍ، وهو أنَّ إطعامَهم هل هو مُقدَّرٌ بالشَّرعِ أو بالعُرفِ؟ فيه قَولانِ للعُلماءِ.
منهم مَنْ قالَ: هو «مُقدَّرٌ بالشَّرعِ» وهؤلاءِ على أَقوالٍ، منهم مَنْ قالَ: يُطعِمُ كلَّ مِسكينٍ صاعًا مِنْ تَمرٍ أو صاعًا مِنْ شَعيرٍ أو نِصفَ صاعٍ مِنْ بُرٍّ، كقَولِ أَبي حَنيفةَ وطائِفةٍ.
ومنهم مَنْ قالَ: يُطعِمُ كلَّ واحِدٍ نِصفَ صاعٍ مِنْ تَمرٍ وشَعيرٍ أو رُبعَ صاعٍ مِنْ بُرٍّ، وهو مُدٌّ، كقَولِ أَحمدَ وطائِفةٍ.
ومنهم مَنْ قالَ: بل يُجزِئُ في الجَميعِ مُدٌّ مِنْ الجَميعِ، كقَولِ الشافِعيِّ وطائِفةٍ.
«والقَولُ الثاني» أنَّ ذلك مُقدَّرٌ بالعُرفِ لا بالشَّرعِ؛ فيُطعِمُ أهلَ كلِّ بَلَدٍ مِنْ أوسَطِ ما يُطعِمونَ أهلِيهم قَدْرًا ونَوعًا، وهذا مَعنى ما رُويَ عن مالِكٍ، قالَ إِسماعيلُ بنُ إِسحاقَ: كانَ مالِكٌ يَرى في كَفارةِ اليَمينِ أنَّ المُدَّ يُجزِئُ بالمَدينةِ، قالَ مالِكٌ: وأمَّا البُلدانُ فإنَّ لهم عَيشًا غيرَ عَيشِنا، فأرى أنْ يُكَفِّروا بالوَسَطِ مِنْ عَيشِهم؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، وهو مَذهبُ داوُدَ وأصحابِه مُطلَقًا، والمَنقولُ عن أكثَرِ الصَّحابةِ والتابِعينَ هذا القَولُ؛ ولهذا كانوا يَقولونَ: الأوسَطُ خُبزٌ ولَبنٌ، خُبزٌ وسَمنٌ، خُبزٌ وتَمرٌ، والأَعلى خُبزٌ ولَحمٌ، وقد بَسَطنا الآثارَ عنهم