للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِثالُ الصِّفةِ التي لَم تَكنْ مَوجودةً وقتَ الحَلفِ أنْ يَقولَ: «واللهِ لا أُكلِّمُ هذا الصَّبيَّ أو لا آكُلُ مِنْ هذا الحمَلِ» -ولدِ الشاةِ الصَّغيرِ- فإنَّه يَحنَثُ إذا كلَّمَه وهو شَيخٌ أو أكَلَه وهو كَبشٌ، وذلك لأنَّ صِفةَ الصِّغرِ المَوجودةَ في الصَّبيِّ وفي الحمَلِ تَلغو معَ الإِشارةِ ولا تُعتَبرُ إلا الذاتِ المُشارِ إليها وهي باقِيةٌ في الصِّغرِ والكِبرِ، فلَم تَكنْ مَوجودةً وقتَ الحَلفِ بهذا الاعتِبارِ فلا يُنظَرُ إليها في اليَمينِ فإذا كانَ الباعِثُ له على اليَمينِ سَببًا آخرَ سِوى الصِّغرِ فإنَّ يَمينَه يُنصَرُ إليه، كما إذا حلَفَ لا يُكلِّمُ هذا الصَّبيَّ خوفًا على عِرضِه أو لكَونِه سَفيهًا فكلَّمَه وهو شَيخٌ لزَوالِ السَّببِ فإنَّه لا يَحنَثُ؛ لأنَّ الوَصفَ كانَ مَوجودًا وقتَ الحَلفِ وقد زالَ، والإِشارةُ غيرُ مَوجودةٍ فلا يَحنَثُ، وهذا يُشبِهُ بِساطَ اليَمينِ عندَ المالِكيةِ كما تَقدَّمَ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ٣٥، ٣٦)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٧٤٣، ٧٤٥)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٦، ٦٤)، وقد ذكَرْتُ في كِتابي «الخلاصة الفقهية على مذهب السادة الحنفية» مَسائلَ مِنْ هذا القَبيلِ لا يَحنَثُ فيها الحالِفُ وهي:
١ - مَنْ حلَفَ لا يَدخلُ بيتًا فدخَلَ الكَعبةَ أو المَسجدَ أو البِيعةَ أو الكَنيسَةَ لَم يَحنَثْ؛ لأنَّ هذه لا تُسمَّى بُيوتًا في العادَةِ، والمُعتبَرُ في الأَيمانِ الاسمُ والعادَةُ، ولأنَّ البَيتَ هو ما أُعدَّ للبَيتوتَةِ، وهذه البِقاعُ ما بُنِيَت لها، ولا يُقالُ: إنَّ اللهَ تَعالى سمَّى المَساجدَ بُيوتًا، فقالَ تَعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ [النور: ٣٦]؛ لأنَّ المُعتبَرَ هو المُعتادُ دُونَ تَسمِيةِ القُرآنِ.
٢ - ومَن حلَفَ لا يَتكلَّمُ فقرَأَ القُرآنَ في الصَّلاةِ لَم يَحنثْ؛ لأنَّ القِراءةَ في الصَّلاةِ لَيسَت بكَلامٍ؛ لقولِه : «إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يَصلحُ فيها شَيءٌ مِنْ كَلامِ الناسِ، إنَّما هو التَّسبيحُ والتَّكبيرُ وقِراءةُ القُرآنِ». فدلَّ على أنَّ ما يُؤتَى به في الصَّلاةِ مِنْ الأَذكارِ ليسَ بكَلامٍ، فلا يَحنثُ، وكذا إذَا سبَّحَ في الصَّلاةِ أو هلَّلَ أو كبَّرَ لَم يَحنَثْ، وإنْ قرَأَ الْقُرآنَ في غيرِ الصَّلاةِ أو كبَّرَ أو هلَّلَ أو سبَّحَ في غيرِ الصَّلاةِ حنِثَ؛ لأنَّه مُتكلِّمٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>