أَحدُها: أنْ يَكونَ مَظلومًا مثلَ مَنْ يَستَحلفُه ظالمٌ على شيءٍ لو صدَّقَه لظُلمِه أو ظُلمِ غيرِه أو نالَ مُسلمًا منه ضَررٌ فهذا له تَأويلُه، قالَ مُهنا: سأَلتُ أَحمدَ عن رَجلٍ له امرَأتانِ اسمُ كلِّ واحِدةٍ منهما فاطمةُ فماتَت واحِدةٌ منهما فحلَفَ بطَلاقِ فاطمةَ ونَوى التي ماتَت قالَ: إنْ كانَ المُستَحلفُ له ظالِمًا فالنِّيةُ نيةُ صاحبِ الطَّلاقِ وإنْ كانَ المُطلِّقُ هو الظالِمُ فالنِّيةُ نِيةُ الذي استَحلَفَ وقد رَوى أَبو داودَ بإِسنادِه عن سُويدِ بنِ حَنظلَةَ قالَ: خرَجْنا نُريدُ رَسولَ اللهِ ﷺ ومعَنا وائلُ بنُ حُجرٍ فأخَذَه عَدوٌ له فتَحرَّجَ القَومُ أنْ يَحلِفوا فحلَفتُ أنَّه أَخي فخَلَّى سَبيلَه فأَتينَا رَسولَ اللهِ ﷺ فذكَرْتُ ذلك له فقالَ: أنتَ أَبرُّهم وأَصدَقُهم، المُسلمُ أَخو المُسلمِ. وقالَ النَّبيُّ ﷺ:«إنَّ في المَعاريضِ لَمندوحةٌ عن الكَذبِ» يَعني: سَعةَ المَعاريضِ التي يُوهِمُ بها السامِعَ غيرَ ما عَناه.
قالَ مُحمدُ بنُ سِيرينَ: الكَلامُ أَوسعُ مِنْ أنْ يَكذبَ ظَريفٌ، يَعني لا يَحتاجُ أنْ يَكذبَ لكَثرةِ المَعاريضِ، وخصَّ الظَّريفَ بذلك يعني به الكَيسَ الفَطنَ فإنَّه يَفطنُ للتَّأويلِ فلا حاجةَ به إلى الكَذبِ.
الحالُ الثانِي: أن يَكونَ الحالِفُ ظالِمًا كالذي يَستَحلفُه الحاكمُ على حقٍّ عندَه فهذا يَنصرِفُ يَمينُه إلى ظاهرِ اللَّفظِ الذي عَناه المُستَحلفُ ولا يَنفعُ الحالِفَ تَأويلُه وبهذا قالَ الشافِعيُّ ولا نَعلمُ فيه مُخالفًا، فإنَّ أَبا هُريرةَ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «يَمينُك على ما يَصدقُكُ به صاحِبُك» رَواه مُسلمٌ وأَبو داودَ وعن أَبي هُريرةَ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «النِّيةُ على نِيةِ المُستَحلفِ» رَواه مُسلمٌ، وقالَت عائشةُ: «اليَمينُ على ما وقَعَ