ابتِداءً مِنْ غيرِ تَحليفٍ أو حلَّفَه غيرُ القاضِي وغيرُ نائبِه في ذلك ولا اعتِبارَ بنِيةِ المُستَحلفِ غيرَ القاضِي وحاصِلُه أنَّ اليَمينَ على نِيةِ الحالِفِ في كلِّ الأَحوالِ إلا إذا استَحلَفَه القاضِي أو نائبُه في دَعوَى تَوجَّهت عليه فتَكونُ على نِيةِ المُستَحلفِ وهو مُرادُ الحَديثِ، أما إذا حلَفَ عندَ القاضِي مِنْ غيرِ استِحلافِ القاضِي في دَعوى فالاعتِبارُ بنِيةِ الحالِفِ وسَواءٌ في هذا كلِّه اليَمينُ باللهِ تَعالى أو بالطَّلاقِ والعِتاقِ إلا أنَّه إذا حلَّفَه القاضِي بالطَّلاقِ أو بالعِتاقِ تَنفعُه التَّوريةُ ويَكونُ الاعتِبارُ بنِيةِ الحالفِ؛ لأنَّ القاضِي ليسَ له التَّحليفُ بالطَّلاقِ والعِتاقِ، وإنَّما يَستَحلفُ باللهِ تَعالى.
واعلَمْ أنَّ التَّوريةَ وإنْ كانَ لا يَحنَثُ بها فلا يَجوزُ فِعلُها حيثُ يَبطُلُ بها حقُّ مُستَحقٍّ، وهذا مُجمعٌ عليه هذا تَفصيلُ مَذهبِ الشافِعيِّ وأَصحابِه ونَقلَ القاضِي عِياضٌ عن مالكٍ وأَصحابِه في ذلك اختِلافًا وتَفصيلًا فقالَ: لا خِلافَ بينَ العُلماءِ أنَّ الحالِفَ مِنْ غيرِ استِحلافٍ ومِن غيرِ تَعلقِ حقٍّ بيَمينِه له نِيتُه ويُقبلُ قولُه، وأما إذا حلَفَ لغيرِه في حقٍّ أو وَثيقةٍ مُتبَرعًا أو بقَضاءٍ عليه فلا خِلافَ أنَّه يُحكَمُ عليه بظاهِرِ يَمينِه سَواءٌ حلَفَ مُتبَرعًا باليَمينِ أو باستِحلافٍ، وأما فيما بينَه وبينَ اللهِ تَعالى فقيلَ: اليَمينُ على نِيةِ المَحلوفِ له، وقيلَ: على نِيةِ الحالفِ، وقيلَ: إنْ كانَ مُستَحلفًا فعلى نِيةِ المَحلوفِ له، وإنْ كانَ مُتبَرعًا باليَمينِ فعلى نِيةِ الحالفِ، وهذا قَولُ عبدِ المَلكِ وسحنُونٍ وهو ظاهرُ قولِ مالكٍ وابنِ القاسمِ، وقيلَ عكسُه وهي رِوايةُ يَحيى عن ابنِ القاسمِ، وقيلَ: تَنفعُه نِيتُه فيما لا يَقضِي به عليه ويَفتَرقُ التبَرعُ وغيرُه فيما يَقضِي به عليه وهذا مَرويٌ عن ابنِ القاسمِ أيضًا، وحُكي