للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لأنَّ الرُّخصَةَ اسمٌ لمَا تغيَّرَ عن الحُكمِ الأصلِيِّ؛ لعارِضٍ إلى تَخفيفٍ ويُسرٍ، ولِمَا عُرفَ في أُصولِ الفِقهِ، ولم يُوجَدْ معنَى التَّغييرِ في حقِّ المُسافرِ رَأسًا؛ إذِ الصَّلاةُ في الأصلِ فُرضَت رَكعَتينِ في حقِّ المُقيمِ والمُسافرِ جَميعًا؛ لمَا يُذكَرُ، ثم زِيدَت رَكعتَانِ في حقِّ المُقيمِ، وأُقرَّتِ الرَّكعَتانِ على حالِهما في حقِّ المُسافرِ، كما كانَتا في الأصلِ؛ فانعدمَ مَعنى التَّغييرِ أصلًا في حقِّه، وفي حقِّ المُقيمِ وجَدَ التَّغييرُ، لكن إلى الغِلَظِ والشِّدَّةِ، لا إلى السُّهولةِ واليُسرِ، والرُّخصَةُ تُنبِئُ عن ذلك، فلم يَكنْ ذلك رُخصةً في حقِّه حَقيقةً، ولو سُمِّيَ فإنَّما سُمِّيَ مَجازًا؛ لوُجودِ بعضِ مَعاني الحَقيقةِ، وهو التَّغييرُ (١).

أمَّا المالِكيةُ فالمَشهورُ عندَهم أنَّ القَصرَ سُنةٌ مُؤكَّدةٌ، فإنَّه لم يَصحَّ عن النَّبيِّ أنَّه أتَمَّ الصَّلاةَ، بلِ المَنقُولُ عنه القَصرُ في كلِّ أَسفارِه، وما كانَ هذا شَأنُه فهو سُنةٌ مُؤكَّدةٌ.

قالَ الشَّيخُ أحمدُ الصَّاويُّ في «بُلغة السَّالِكِ»: قولُه: (سُنةٌ مُؤكَّدةٌ) هذا هو الرَّاجحُ، قالَ عِياضٌ في «الإكمالِ»: كَونُه سُنةً هو المَشهورُ مِنْ مَذهبِ مالِكٍ وأكثَرِ أَصحابِه، وأكثَرِ العُلماءِ مِنْ السَّلفِ والخَلفِ. اه. وقيلَ: إنَّ القَصرَ فَرضٌ، وقيلَ: مُستحَبٌّ، وقيلَ: مُباحٌ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٩١، ٩٢)، و «تبيين الحقائق» (١/ ٢١٠)، و «بلغة السَّالك» (١/ ٣١١)، و «الإفصاح» (١/ ٢١٨).
(٢) «بلغة السَّالك» (١/ ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>