للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابلَةُ إلى أنَّ القَصرَ جائِزٌ، تَخفيفًا على المُسافرِ؛ لمَا يَلحَقُه مِنْ مَشقَّةِ السَّفرِ في الأَغلَبِ، واحتَجوا على ذلك بقولِه تَعالى: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ [النساء: ١٠١].

قال الإمامُ الشافِعيُّ : ولا يُستَعمَلُ (لا جُناحَ) إلا في المُباحِ.

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وهذا يَدلُّ على أنَّ القَصرَ رُخصةٌ مُخيَّرٌ بينَ فِعلِه وتَركِه، كسائرِ الرُّخَصِ، وقالَ يَعلى بنُ أُميَّةَ: قُلتُ لِعمرَ بنِ الخَطابِ: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١]، فقالَ: عَجِبتُ ممَّا عَجِبتَ منه، فسألتُ رَسولَ اللهِ فقالَ: صَدقةٌ تَصدَّقَ اللهُ بها عليكم، فاقبَلوا صَدقَتَه (١). وهذا يَدلُّ على أنَّه رُخصةٌ، وليسَ بعَزيمةٍ، وأنَّها مَقصورةٌ، ورَوى الأسوَدُ عن عائشةَ أنَّها قالَت: خرَجتُ معَ رَسولِ اللهِ في عمرَةِ رَمضَانَ، فأَفطَرَ رَسولُ اللهِ وصُمتُ، وقصَرَ وأَتمَمتُ، فقُلتُ: يَا رَسولَ اللهِ، بأَبي وأُمِّي، أَفطَرتَ وصُمتُ، وقَصَرت وأَتمَمتُ، فقالَ: «أحسَنتِ يَا عائشةُ» وما عابَه علَيَّ (٢)، وهذا صَريحٌ في الحُكمِ، ولأنَّه لو ائتَمَّ بمُقيمٍ صلَّى أربَعًا، وصحَّتِ الصَّلاةُ، والصَّلاةُ لا تَزيدُ بالائتِمَامِ.


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: تَقدَّمَ.
(٢) رواه النسائي (٣/ ١٢٣)، والدَّارقطنيُّ (٢٢٩٤)، والبَيهَقيُّ في «السُّنن الكبرى» (٣/ ١٤٢) قال النَّوويُّ: إِسنادُه حَسنٌ أو صَحيحٌ، قال البيهقيُّ في «السُّنن الكبرى» قال الدَّارَقُطنيُّ: إِسنادُه حَسنٌ، وقال في «معرِفة السُّنن والآثار»: وإسنادُه صَحيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>