وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ وبعضُ المالِكيةِ كابنِ العَربيِّ والسُّيوريِّ وجَماعةٍ مِنْ المُتأخِّرينَ إلى أنَّه لا يَحنَثُ إذا فعَلَ المَحلوفَ عليه ناسِيًا أو مُخطِئًا؛ لقولِه تَعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [لقمان: ٥].
وقالَ النَّبيُّ ﷺ:«إنَّ اللهَ تَجاوزَ لأُمتِي عن الخَطأِ والنِّسيانِ وما استُكرِهوا عليه»(١) فكانَ حُكمُ الأَيمانِ داخِلًا في عُمومِ هذا التَّجاوزِ، ولأنَّ مُطلَقَ النَّواهِي في الشَّرعِ مَحمولٌ على العَمدِ دونَ السَّهوِ، كالكَلامِ في الصَّلاةِ والأَكلِ في الصِّيامِ، كذلك في الأَيمانِ، ولأنَّ عَقدَ الأَيماِن لمَّا لَم يَلزمْ إلا بالقَصدِ والاختِيارِ وجَبَ أن يَكونَ حلُّها بالحِنثِ لا يَكونُ إلا عن قَصدٍ واختِيارٍ.
ولأنَّه غيرُ قاصِدٍ للمُخالفةِ فلَم يَحدثْ كالنائمِ والمَجنونِ ولأنَّه أَحدُ طَرفَي اليَمينِ فاعتُبِرَ فيه القَصدُ كحالةِ الابتِداءِ بها ولأنَّها تَجبُ لرَفعِ الإِثمِ ولا إِثمَ على الناسِي.
وإنْ فعَلَ المَحلوفَ عليه غيرَ عالِمٍ بالمَحلوفِ عليه كرَجلٍ حلَفَ لا يُكلِّمُ فَلانًا فسلَّمَ عليه يَحسبُه أَجنبيًا أو حلَفَ أنَّه لا يَفارقُ غَريمَه حتى يَستَوفِيَ حقَّه فأَعطاه قَدرَ حقَّه ففارَقَه ظنًّا منه أنَّه قد برَّ فوجَدَ ما أخَذَه رَديئًا أو حلَفَ «لا بِعتُ لزَيدٍ ثَوبًا» فوكَّلَ زَيدٌ مَنْ يَدفعُه إلى مَنْ يَبيعُه فدفَعَه إلى
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه ابن ماجه (٢٠٤٣)، وابن حبان في «صحيحه» (٧٢١٩).