للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومِثالُ الخَطأِ: أنْ يَحلِفَ أنْ لا يَدخلَ دارَ فُلانٍ فيَدخلُها مُعتقِدًا أنَّها غيرُها هذا في الفِعلِ ومِثالُه في القولِ أن يَحلِفَ لا يَذكرُ فُلانًا فأَرادَ ذِكرَ غيرِه فجَرى على لِسانِه ذِكرُ المَحلوفِ عليه غَلطًا أو لا كلَّمْتُ زَيدًا فكلَّمَه مُعتقِدًا أنَّه عَمرٌو.

فمَن فعَلَ المَحلوفَ عليه عامِدًا أو ناسِيًا فهو سَواءٌ في الحُكمِ؛ لأنَّ الفِعلَ حَقيقيٌّ لا يَعدمُه النِّسيانُ، ولأنَّ إِطلاقَ اليَمينِ تَعمُّ جَميعَ الوُجوهِ التي يَقعُ الفِعلُ عليها كما لو أخبَرَ عن انتِفاءِ وُقوعِ الفِعلِ منه فإنَّه يَعمُّ العَمدَ والسَّهوَ، ولأنَّ كلَّ زِيادةٍ في اليَمينِ صحَّ اشتِراطُها وأَمكنَ انفِكاكُ اليَمينِ منها فإنَّ اليَمينَ لا تَتعلَّقُ بها إلا بالشَّرطِ، كقولِه: «لا دخَلْتُ الدارَ راكِبًا»، كذلك قولُه عامدًا ولأنَّه حصَلَ منه الفِعلُ باختِيارِه مِنْ غيرِ إِكراهٍ كالقاصِدِ، ولأنَّ الفِعلَ وقَعَ منه على وَجهٍ مُنفرِدٍ بإِضافتِه إليه فأَشبَه العَمدَ، ولأنَّ البِرَّ في مُقابَلةِ الحِنثِ، وقد ثبَتَ أنَّه لو حلَفَ أنْ يَفعلَ شيئًا ففعَلَه ساهِيًا؛ فإنه يَبرُّ، وإنْ كانَ مِنْ غيرِ قَصدٍ، فكذلك يَجبُ إذا حلَفَ ألَّا يَفعلَه ففعَلَه سَهوًا أنْ يَحنَثَ.

وكذا إذا فعَلَه وهو مُغمًى عليه أو مَجنونٌ عندَ الحَنفيةِ لوُجودِ الشَّرطِ حَقيقةً وإنْ لَم يَتحَققِ الذَّنبُ؛ لأنَّ الحُكمَ يُدارُ معَ دَليلِه وهو الحِنثُ لا على حَقيقةِ الذَّنبِ (١).


(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٢٦٠)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٢)، و «اللباب» (٢/ ٣٨٢)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٣٠٠، ٣٠١)، رقم (١٦٤٤)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٣١٢)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٧٠، ٧١)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٤٢٣، ٤٢٤)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٣٨٥)، و «الحاوي الكبير» (١٥/ ٣٦٧)، و «الإفصاح» (٢/ ٣٧٥، ٣٧٦)، و «المغني» (٩/ ٣٩١، ٤٢٠)، و «الكافي» (٤/ ٣٨٤)، و «الإنصاف» (٩/ ١١٤)، (١١/ ٢٤، ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>