وقالَ أيضًا: «والإِنسانُ متى حلَّلَ الحَرامَ المُجمعَ عليه أو حرَّمَ الحَلالَ المُجمعَ عليه أو بدَّلَ الشَّرعَ المُجمعَ عليه كانَ كافرًا مُرتدًا باتفاقِ الفُقهاءِ، وفي مثلِ هذا نزَلَ قَولُه -على أَحدِ القَولينِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)﴾ [المائدة: ٤٤] أي هو المُستحِلُّ للحُكمِ بغيرِ ما أنزَلَ اللهُ.
ولَفظُ الشَّرعِ يُقالُ في عُرفِ الناسِ على ثَلاثةِ مَعانٍ:
الشَّرعُ المُنزَّلُ وهو ما جاءَ به الرَّسولُ، وهذا يَجبُ اتباعُه، ومَن خالَفَه وجبَتْ عُقوبتُه.
والثانِي: الشَّرعُ المُؤوَّلُ، وهو آراءُ العُلماءِ المُجتهدِينَ فيها كمَذهبِ مالِكٍ ونَحوِه، فهذا يَسوغُ اتباعُه ولا يَجبُ ولا يَحرمُ، وليسَ لأَحدٍ أنْ يُلزمَ عُمومَ الناسِ به، ولا يَمنعَ عُمومَ الناسِ منه.
والثالثُ: الشَّرعُ المُبدَّلُ، وهو الكَذبُ على اللهِ ورَسولِه أو على الناسِ بشَهاداتِ الزُّورِ ونَحوِها والظُّلمِ البَينِ، فمَن قالَ إنَّ هذا مِنْ شَرعِ اللهِ فقد كفَرَ بلا نِزاعٍ، كمَن قالَ: إنَّ الدَّمَ والمَيتةَ حَلالٌ، ولو قالَ هذا مَذهبي ونَحوُ ذلك» (١).
وقالَ الإِمامُ ابنُ القَيمِ ﵀: «تَأويلُ ابنِ عَباسٍ وعامةِ الصَّحابةِ في قَولِه تَعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)﴾ [المائدة: ٤٤] قالَ ابنُ عَباسٍ: «ليسَ بكُفرٍ يَنقلُ عن المِلةِ، بل إذا فعَلَه فهو به