هو الكُفرُ، فإنَّ كَثيرًا مِنْ الناسِ أسلَمُوا، ولكنْ مع هذا لا يَحكمونَ إلا بالعاداتِ الجاريةِ لهم التي يَأمرُ بها المُطاعونَ، فهؤلاء إذا عرَفُوا أنَّه لا يَجوزُ الحُكمُ إلا بما أنزَلَ اللهُ فلمْ يَلتزموا ذلك، بل استحَلُّوا أنْ يَحكموا بخِلافِ ما أنزَلَ اللهُ، فهم كُفارٌ وإلا كانوا جُهالًا، كمَن تقدَّمَ أَمرُهم، وقد أمَرَ اللهُ المُسلِمينَ كلَّهم إذا تَنازعوا في شَيءٍ أنْ يَردوه إلى اللهِ والرَّسولِ، فقالَ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)﴾ [النساء: ٥٩].
وهذه الآيةُ مما يَحتجُّ بها الخَوارجُ على تَكفيرِ وُلاةِ الأَمرِ الذين لا يَحكمونَ بما أنزَلَ الله ثُم يَزعمونَ أنَّ اعتقادَهم هو حُكمُ اللهِ، وقد تكلَّمَ الناسُ بما يَطولُ ذِكرُه هنا، وما ذكَرْتُه يَدلُّ عليه سياقُ الآيةِ.
والمَقصودُ أنَّ الحُكمَ بالعَدلِ واجبٌ مُطلقًا في كلِّ زَمانٍ ومَكانٍ على كلِّ أَحدٍ ولكلِّ أَحدٍ، والحُكمُ بما أنزَلَ اللهُ على مُحمدٍ ﷺ هو عَدلٌ خاصٌّ وهو أَكملُ أَنواعِ العَدلِ وأَحسنُها، والحُكمُ به واجبٌ على النَّبيِّ ﷺ وكلِّ مَنْ اتبعَه، ومَن لمْ يَلتزمْ حُكمَ اللهِ ورَسولِه فهو كافرٌ.