للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)[المائدة: ٤٧ - ٥٠].

ذكَرَ سبُحانَه حُكمَ التَّوراةِ والإِنجيلِ ثُم ذكَرَ أنَّه أنزَلَ القُرآنَ وأمَرَ نَبيَّه أنْ يَحكمَ بينهم بالقُرآن ولا يَتبعْ أَهواءَهم عما جاءَه مِنْ الكِتابِ، وأخبَرَ أنَّه جعَلَ لكلِّ واحدٍ مِنْ الأَنبياءِ شِرعةً ومِنهاجًا، فجعَلَ لمُوسى وعيسى ما في التَّوراةِ والإِنجيلِ مِنْ الشِّرعةِ والمِنهاجِ، وجعَلَ للنَّبيِّ ما في القُرآنِ مِنْ الشَّرعةِ والمِنهاجِ، وأمَرَه أنْ يَحكمَ بما أنزَلَ اللهُ، وحذَّرَه أنْ يَفتنوه عن بعضِ ما أنزَلَ اللهُ، وأخبَرَه أنَّ ذلك هو حُكمُ اللهِ، ومَنِ ابتَغى غيرَه فقد ابتَغى حُكمَ الجاهِليةِ.

وقالَ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)[المائدة: ٤٤] ولا رَيبَ أنَّ مَنْ لمْ يَعتقدْ وُجوبَ الحُكمِ بما أنزَلَ اللهُ على رَسولِه فهو كافرٌ، فمَن استحَلَّ أنْ يَحكمَ بينَ الناسِ بما يَراه هو عَدلًا من غيرِ اتباعٍ لمَا أنزَلَ اللهُ فهو كافرٌ، فإنَّه ما مِنْ أُمةٍ إلا وهي تَأمرُ بالحُكمِ بالعَدلِ، وقد يَكونُ العَدلُ في دينِها ما رَآه أَكابرُهم، بل كَثيرٌ مِنْ المُنتسبينَ إلى الإِسلامِ يَحكمونَ بعاداتِهم التي لمْ يُنزلْها اللهُ كسَوالفِ الباديةِ، وكأَوامرِ المُطاعينَ فيهم، ويَرونَ أنَّ هذا هو الذي يَنبغي الحُكمُ به دونَ الكِتابِ والسُّنةِ، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>