للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولإِجماعِ الصَّحابةِ، فرَوى مالكٌ عن عُمرَ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ بنِ دِلافٍ المُزنِيِّ عن أَبيه أنَّ رَجلًا مِنْ جُهينةَ كانَ يَسبقُ الحاجَّ فيَشتري الرَّواحلَ فيُغلي بها ثُم يُسرعُ السَّيرَ فيَسبقُ الحاجَّ، فأفلَسَ فرُفعَ أمرُه إلى عُمرَ بنِ الخَطابِ، فقالَ: «أمَّا بعدُ أيُّها الناسُ فإنَّ الأُسيفعَ أُسيفعَ جُهينةَ، رضِيَ مِنْ دينِه وأَمانتِه بأنْ يُقالَ سبَقَ الحاجَّ، ألا وإنَّه قد دانَ مُعرضًا، فأصبَحَ قد رينَ به، فمَن كانَ له عليه دَينٌ فليَأتِنا بالغَداةِ نَقسمُ مالَه بينهم، وإيَّاكم والدَّينَ؛ فإنَّ أَولَه همٌّ وآخرُه حَربٌ» (١). وكانَ الأُسيفعُ غائبًا ولم يُنكرْ عليه فكانَ إِجماعًا وقِياسًا لبَينتِه على بَينةِ الحاضرِ، والإِجماعِ على القَضاءِ بالدِّيةِ على العاقلةِ وهي غائبةٌ وعلى المَيتِ وهو أَعظمُ مِنْ الغائبِ.

ولأنَّه لولا الحُكمُ على الغائبِ لأَخذَ الناسُ أَموالَ الناسِ وغابوا فتَضيعُ الأَموالُ، ويَجوزُ ذهابُ مالِ الغائبِ قبلَ القُدومِ فيَضيعَ الحَقُّ، وبالقياسِ على ما إذا شهِدَتْ بَينةٌ على جَماعةٍ بعضُهم حاضرٌ وعلى المَفقودِ.

ولأنَّ المَنعَ إمَّا لاحتِمالِ الإِنكارِ عندَ القُدومِ ولا عِبرةَ به؛ لأنَّ البَينةَ شهِدَتْ عليه، أو لتَرجيحِ البَينةِ وهو لا يَفوتُه عندَ حُضورِهم، ويَجوزُ ألَّا يُخرجَهم فلا يَتوقفُ بالشكِّ، ولأنَّ مَنْ لا يُعتبَرُ رِضاه لا يُعتبرُ حُضورُه.

ولأنَّه لو لمْ يَجزِ القَضاءُ على الغائبِ لجُعلَتِ الغِيبةُ والاستِنظارُ طَريقًا إلى إِبطالِ الحُقوقِ، فيَكونُ ذَريعةً إلى إِبطالِ حُقوقِ الناسِ؛ لأنَّه لا يَشاءُ أَحدٌ أنْ يَأخذَ أَموالِ الناسِ ولا يُؤديها إلا غابَ فلا يُمكنُ القَضاءُ عليه.


(١) رواه مالك في «الموطأ» (١٤٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>