للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصرَّحَ ابنُ الصَّلاحِ -كما مرَّ- بأنَّ نَصَّ إِمامِ المُقلِّدِ في حَقِّه كنَصِّ الشارعِ في حَقِّ المُقلِّدِ، ووافَقَه في الرَّوضةِ، وما أفهَمَه كَلامُ الرافعيِّ عن الغَزاليِّ من عَدمِ النَّقضِ بِناءً على أنَّ للمُقلِّدِ تَقليدُ مَنْ شاءَ، وجزَمَ به في جَمعِ الجَوامعِ، قالَ الأَذرعيُّ: «بَعيدٌ، والوَجهُ بل الصَّوابُ سَدُّ هذا البابِ مِنْ أَصلِه؛ لمَا يَلزمُ عليه مِنْ المَفاسدِ التي لا تُحصى». اه. وقالَ غيرُه: «المُفتي على مَذهبِ الشَّافعيِّ لا يَجوزُ له الإِفتاءُ بمَذهبِ غيرِه ولا يَنفذُ منه، أيْ: لو قَضى به لتَحكيمٍ، أو تَوليةٍ؛ لمَا تقرَّرَ عن ابنِ الصَّلاحِ، نعم إنِ انتقَلَ لمَذهبٍ آخرَ بشَرطِه وتبحَّرَ فيه جازَ له الإِفتاءُ به» (١).

وأمَّا الحَنابِلةُ فصرَّحوا بأنَّه لا يَجوزُ التَّقيدُ بمَذهبٍ مُعيَّنٍ في القَضاءِ.

قالَ الإِمامُ ابنُ قُدامةَ : «ولا يَجوزُ أنْ يُقلدَ القَضاءُ لواحدٍ على أنْ يَحكمَ بمَذهبٍ بعَينِه، وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ، ولا أَعلمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّ اللهَ تَعالى قالَ: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ [ص: ٢٦]، والحَقُّ لا يَتعينُ في مَذهبٍ، وقد يَظهرُ له الحَقُّ في غيرِ ذلك المَذهبِ، فإنْ قلَّدَه على هذا الشَّرطِ بطَلَ الشَّرطُ، وفي فَسادِ التَّوليةِ وَجهانِ بِناءً على الشُّروطِ الفاسدةِ في البَيعِ» (٢).

وقالَ الإِمامُ المِرداويُّ : «لا يَجوزُ أنْ يُقلدَ القَضاءُ لواحدٍ على أنْ يَحكمَ بمَذهبٍ بعَينِه، قالَا: وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ ولا نَعلمُ فيه خِلافًا».

وقالَ الشيخُ تَقيُّ الدِّينِ : «مَنْ أوجَبَ تَقليدَ إِمامٍ بعَينِه استُتيبَ فإنْ تابَ وإلا قُتلَ».


(١) «تحفة المحتاج» (١٢/ ١٠١، ١٠٢)، و «فتح المعين» (٤/ ٢١٦، ٢١٧).
(٢) «المغني» (١٠/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>