أَحدُهما: أنْ يَنهاه عن الحُكمِ في قَتلِ المُسلمِ بالكافرِ والحُرِّ بالعَبدِ ولا يَقضي فيه بوُجوبِ قَودٍ ولا بإِسقاطِه فهو جائزٌ؛ لأنَّه اقتَصرَ بوِلايتِه على ما عداه وأخرَجَه مِنْ نَظرِه.
الثَّاني: ألَّا يَنهاه عن الحُكمِ فيه ويَنهاه عن القَضاءِ في القِصاصِ فيَصحُّ العَقدُ ويَخرجُ المُستثنى عن وِلايتِه، فلا يَحكمُ فيه بشَيءٍ، ومِن الفُقهاءِ مَنْ يَقولُ تَثبتُ وِلايتُه عُمومًا ويَحكمُ فيه بما نَهاه عنه بمُقتضى اجتِهادِه، كلُّ هذا إذا كانَ شَرطًا في الوِلايةِ، فأمَّا لو أخرَجَه مَخرجَ الأَمرِ والنَّهيِ فقالَ:«قد وَليتكُ القَضاءَ فاحكمْ بمَذهبِ مالِكٍ ولا تَحكمْ بمَذهبِ أَبي حَنيفةَ» فالوِلايةُ صَحيحةٌ والشَّرطُ باطلٌ، وسَواءٌ تَضمَّنَ أَمرًا أو نَهيًا، ويَجبُ أنْ يَحكمَ بما أَداه إليه اجتِهادُه، سَواءٌ وافَقَ شَرطَه أو خالَفَه، فأمَّا لو ذكَّرَه بالأَمرِ فقالَ:«قد وَليتكَ لتَحكمَ بمَذهبِ مالِكٍ» مثلًا فحَكى الماوَرديُّ مِنْ الشافعِيةِ أنَّ الوِلايةَ صَحيحةٌ والشَّرطُ باطلُ، واعلمْ أنَّ جَميعَ ما ذكرْناه مِنْ التَّقليداتِ لا يَجوزُ للإِمامِ اشتِراطُها عليه، وتَكونُ قادحةً في الوِلايةِ؛ لأنَّه اشترَطَ ما لا يَجوزُ».
قالَ ابنُ أَبي جَمرةَ في إِقليدِ التَّقليدِ:«ومَن كانَ لا يَقضي إلا بما أمَرَه به مَنْ وَلاه فليسَ بقاضٍ على الحَقيقةِ، وإنما هو بصِفةِ خادمِ رِسالةٍ، ولا يَحلُّ له القَضاءُ في غيرِ ما أمَرَه به إلا بعدَ أنْ يَستَطلعَ ما عندَ الذي وَلاه في ذلك».
قالَ ابنُ فَرحونَ ﵀:«كَلامُ الشَّيخِ أَبي بَكرٍ في القاضِي المُجتهدِ، ولمْ يَتعرضْ للقاضِي المُقلِّدِ كما هو في زَمانِنا»(١).