قالَ القَرافِيُّ: لا يَنبغي للمُفتي إذا كانَ في المَسألةِ قَولانِ أَحدُهما فيه تَشديدٌ والآخرُ تَخفيفٌ أنْ يُفتيَ العامَّةَ بالتَّشديدِ والخاصَّ مِنْ وُلاةِ الأُمورِ بالتَّخفيفِ، وذلك قَريبٌ مِنْ الفُسوقِ والخيانةِ في الدِّينِ والتَّلاعبِ بالمُسلِمينَ، وذلك دَليلُ فَراغِ القَلبِ مِنْ تَعظيمِ اللهِ تَعالى وإِجلالِه وتَقواه وعِمارتِه باللَّعبِ وحبِّ الرِّياسةِ والتَّقريبِ إلى الخَلقِ دونَ الخالقِ نَعوذُ باللهِ مِنْ صِفاتِ الغافلينَ، والحاكمُ كالمُفتي في هذا (١).
وقالَ ابنُ شاسٍ ﵀: قالَ الأُستاذُ أَبو بَكرٍ الطُّرطوشيُّ: «وللإِمامِ إذا اعتقَدَ مَذهبًا مِنْ المَذاهبِ مِثلَ مَذهبِ مالِكٍ والشافِعيِّ وأَبي حَنيفةَ وغيرِهم أنْ يُوليَ القَضاءَ مَنْ يَعتقدُ خِلافَ مَذهبِه؛ لأنَّ الواجبَ على القاضِي أنْ يَجتهدَ رَأيَه في قَضائِه، ولا يُلزمَ أَحدًا مِنْ المُسلِمينَ أنْ يُقلِّدَ في النَّوازلِ والأَحكامِ مَنْ يَعتزي إلى مَذهبِه، فمَن كانَ مالِكيًا لمْ يَلزمْه المَصيرُ في أَحكامِه إلى أَقوالِ مالِكٍ، وهكذا القَولُ في سائرِ المَذاهبِ، بل أيَنما أَداه اجتِهادُه مِنْ الأَحكامِ صارَ إليه».
قالَ: «فلو شرَطَ على القاضِي أنْ يَحكمَ بمَذهبِ إِمامٍ مُعيَّنٍ مِنْ أَئمةِ المُسلِمينَ ولا يَحكمَ بغيرِه فالعَقدُ صَحيحٌ، والشَّرطُ باطلٌ، كانَ مُوافقًا لمَذهبِ المُشترِطِ أو مُخالفًا له».
قالَ: وأخبَرَني القاضِي أَبو الوَليدِ قالَ: «كانَ الوُلاةُ عندَنا بقُرطبةَ إذا
(١) «تبصرة الحكام» (١/ ٥٨، ٥٩)، و «منح الجليل» (٨/ ٢٦٤)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٥٤)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٥٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute