للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا وجَدَ مَنْ ليسَ أَهلًا للتَّخريجِ والتَّرجيحِ اختلافًا بينَ أَئمةِ المَذهبِ في الأَصحِّ مِنْ القَولينِ أو الوَجهينِ فيَنبغي أنْ يَفزعَ في التَّرجيحِ إلى صِفاتِهم المُوجِبةِ لزِيادةِ الثِّقةِ بآرائِهم فيَعملُ بقَولِ الأَكثرِ والأَورعِ والأَعلمِ، فإنِ اختَصَّ كلُّ واحدٍ بصِفةٍ قُدمَ مَنْ هو أَحرى بالإِصابةِ فالأَعلمُ الوَرعُ يُقدمُ على الأَورعِ والعالمِ، وإذا وجَدَ قَولينِ أو وَجهينِ لمْ يَبلغْه عن أَحدٍ مِنْ أَهلِ المَذهبِ بَيانُ الأَصحِّ منهما اعتبَرَ أَوصافَ ناقلَيهما أو قائلَيهما.

ابنُ فَرحونَ: وهذا الحُكمُ جارٍ في أَصحابِ المَذاهبِ الأَربعةِ ومُقلِّديهم.

ثُم قالَ: واعلمْ أنَّه لا يَجوزُ للمُفتي أنْ يَتساهلَ في الفَتوى لا، ومَن عُرفَ بذلك لمْ يَجزْ أنْ يُستفتى، وكذلك الحاكمُ، ولا فَرقَ بينَ المُفتي والحاكمِ إلا أنَّ المُفتيَ مُخبِرٌ والحاكمُ مُلزِمٌ، والتَّساهلُ قد يَكونُ بألَّا يَثبتَ ويُسرعَ بالفَتوى أو الحُكمِ قبلَ استِيفاءِ حَقِّها مِنْ النَّظرِ والفِكرِ، وربما يَحملُه على ذلك تَوهمُه أنَّ الإِسراعَ بَراعةٌ والإِبطاءُ عَجزٌ ومَنقصةٌ، وذلك جَهلٌ، فلأنْ يُبطئَ ولا يُخطئُ أَجملُ به مِنْ أنْ يَعجلَ فيَضلَّ ويُضلَّ، وقد يَكونُ تَساهلُه وانحلالُه بأنْ تَحملَه الأَغراضُ الفاسدةُ على تَتبعِ الحيلِ المَحظورةِ أو المَكروهة والتَّمسكِ بالشُّبهِ طَلبًا للتَّرخيصِ على مَنْ يَرومُ نَفعَه أو التَّغليظَ على مَنْ يُريدُ ضَرُه، قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ومَن فعَلَ ذلك فقد هانَ عليه دينُه ونَسألُ اللهَ العَفوَ والعافيةَ، قالَ: أمَّا إذا صحَّ قَصدُ المُفتي واحتَسبَ في تَطلبِ حيلةٍ لا شُبهةَ فيها، ولا تَجرُّ إلى مَفسدةٍ ليُخلصَ بها المُستفتي مِنْ وَرطةِ يَمينٍ أو نَحوِها فذلك حَسنٌ جَميلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>