للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانَ الخَصافُ تَعالى يَقولُ له ذلك لأنَّ اختِلافَهم يَدلُّ على أنَّ للاجتِهادِ فيه مَجالًا والصَّحيحُ الأَولُ.

وإنِ اجتَمعَت الصَّحابةُ على حُكمٍ وخالَفَهم واحدٌ مِنْ التابِعينَ إنْ كانَ المُخالفُ ممَّن لمْ يُدركْ عَهدَ الصَّحابةِ لا يُعتبَرُ خِلافُه حتى لو قَضى القاضِي بقَولِه بخِلافِ إِجماعِ الصَّحابةِ كانَ باطلًا، وإنْ كانَ ممَّن أدرَكَ عَهدَ الصَّحابةِ وزاحَمَهم في الفَتوى وسوَّغوا له الاجتِهادَ كشُريحٍ والشِّعبيِّ لا يَنعقدُ الإِجماعُ لمُخالفتِه، وإنْ جاءَ عن بعضِ التابِعينَ ولمْ يُنقلْ عن غيرِهم فيه شيءٌ، فعن أَبي حَنيفةَ تَعالى رِوايتانِ في رِوايةٍ قالَ: لا أُقلدُهم، وهو ظاهرُ المَذهبِ، وفي رِوايةِ النَّوادرِ قالَ: مَنْ كانَ منهم أَفتى في زَمنِ الصَّحابةِ وسوَّغُوا له الاجتِهادَ مِثلَ شُريحٍ ومَسروقِ بنِ الأَجدعِ والحَسنِ فأنا أُقلدُهم.

فإنْ كانَ شيءٌ لمْ يَأتِ فيه مِنْ الصَّحابةِ قَولٍ وكانَ فيه إِجماعُ التابِعينَ قَضى به، وإنْ كانَ فيه اختلافٌ بينهم رجَّحَ قَولَ بعضِهم وقَضى به.

وإنْ لمْ يَجئْ شَيءٌ مِنْ ذلك فإنْ كانَ مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ قاسَه على ما يُشبهُه مِنْ الأَحكامِ واجتهَدَ فيه برأَيه فيه وتَحرى الصَّوابَ، ثُم يَقضي به برَأيه، وإنْ لمْ يَكنْ مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ يَستفتي في ذلك فيَأخذُ بفَتوى المُفتي ولا يَقضي بغيرِ عِلمٍ ولا يَستحي مِنْ السُّؤالِ (١).

وقالَ المالِكيةُ: المَقضيُّ به وهو الحُكمُ مِنْ كِتابِ اللهِ تَعالى، فإنْ لمْ يَجدْ فبسُنةِ نَبيِّه مُحمدٍ رَسولِ اللهِ التي صاحَبَها العَملُ، فإذا


(١) «معين الحكام» ص (٢٦)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ٣١١، ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>