وإنْ كانَ بمكَّةَ فله حالانِ: أحَدُهما: أنْ يُصليَ في مَسجدِها، والثاني: في غَيرِ مَسجدِها في مَنازلِها.
فإنْ صلَّى في غيرِ مَسجدِها فحُكمُه حُكمُ المُصلِّي في غيرِها، وفي بُطلانِ صَلاتِه إذا تقدَّمَ على إمامِه قَولانِ كما مضَى.
وإنْ صلَّى في مَسجدِها فالسُّنةُ أنْ يَستديرَ الناسُ حولَ الكَعبةِ وراءَ الإمامِ وتُجاهَه، ويَكونُ مَوقفُ الإمامِ عندَ المَقامِ مُستقبِلًا لبابِ الكَعبةِ مُستدبِرًا لبابِ بَني شَيبةَ، وإنْ وقَفَ مُستقبِلًا للكَعبةِ أجزَأهُ، ويَجبُ أنْ يكونَ الإمامُ أقرَبَ إلى الكَعبةِ مِنْ المَأمومينَ، فإنْ كانَ الإمامُ منها على نَحوِ الذِّراعِ تأخَّرَ المَأمومينَ نحوَ الذِّراعينِ، فإنْ فعَلَ هذا الذينَ هُمْ وَراءَ الإمامِ كانَ في بُطلانِ صَلاتِهم قَولانِ كما مضَى، وإنْ فعَلَه الذينَ هُمْ في مُقابَلتِه فقدْ قالَ الشافِعيُّ أيضًا في كِتابِ «الأُمّ»: «إنَّ صَلاتَهم جِائزةٌ»، وقالَ في «الجَامِع»: «إذا تَوجَّهَ الإمامُ إلى الكَعبةِ فائْتَمَّ به قَومٌ على ظَهرِ الكَعبةِ أجزَأتْهم صَلاتُهم»، ومَعلومٌ أنَّ مَنْ على ظَهرِ الكَعبةِ أقرَبُ إليها مِنْ الإمامِ.
واختَلفَ أصحابُنا في ذلكَ على وَجهينِ: أحَدُهما: قالَ أبو إسحاقَ أنَّ في صَلاتِهم قَولينِ كما مضَى، وحُملَ مَنصوصُ الشافِعيِّ على أحَدِهما.
والوَجهُ الثاني: وهو قَولُ جُمهورِهم: إنَّ صَلاتَهم جائزةٌ قَولًا واحِدًا؛ استِعمالًا لظاهِرِ نَصِّه، والفَرقُ بينَهُم وبينَ غَيرِهم مِنْ وَجهينِ: أحَدُهما: أنهُم وإنْ كانوا إلى البيتِ أقرَبَ مِنْ الإمامِ فإنهُم غيرُ مَوصوفينِ بالتقدُّمِ عليهِ؛ لأنهُم في مُقابَلتِه ومُحاذاتِه، وغيرُهم إذا كانَ إلى القِبلةِ أقرَبَ صارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute