إلا أنَّ المالِكيةَ قالوا: ويَجوزُ إِقرارُ المَريضِ بقَبضِ الدَّينِ، إلا مِنْ وارِثٍ أو مِمَّنْ يُتَّهَمُ بالتَّأليجِ إليه، وكذلك لا يَجوزُ إِقرارُ الزَّوجةِ بقَبضِ المَهرِ المُؤجَّلِ مِنْ زَوجِها في مَرضِها، ولا يَجوزُ إِقرارُ المَريضِ لبَعضِ وَرَثَتِه بدَينٍ، وأمَّا إنْ أقَرَّ لزَوجَتِه في مَرَضِه بدَينٍ أو مَهرٍ، فإنْ لم يُعرَفْ منه إليها انقِطاعٌ وناحيةُ مُحاباةٍ، وله وَلدٌ مِنْ غَيرِها، فذلك جائِزٌ، وإنْ عُرفَ بانقِطاعٍ إليها ومَوَدةٍ، وقد كانَ بينَه وبينَ وَلَدِه مِنْ غَيرِها تَفاقُمٌ -ولَعلَّ لها منه وَلدًا صَغيرًا- فلا يَجوزُ إِقرارُه، قيلَ: أفغَيرُها مِنْ الوَرثةِ بهذه المَنزِلةِ فيمن له منه انقِطاعٌ أو بُعدٌ؟ قالَ: لا، وإنَّما رَأى ذلك مالِكٌ للزَّوجةِ؛ لأنَّه لا يُتَّهمُ إذا لم يَكنْ له وَلدٌ منها، ولا يُعرَفُ بانقِطاعِ مَودةٍ إليها، أنْ يَفِرَّ إليها بمالِه عن وَلدِه، فأمَّا إنْ كانَ وَرثَتُه إخوَتَه أو بَنيه فلا يَجوزُ إِقرارُه لبَعضِهم.
ولو تَرَكَ ابنةً وعَصَبةً يَرِثونَه لقَرابةٍ أو وَلاءٍ، فأقَرَّ لهم بمالٍ فذلك جائِزٌ، ولا يُتَّهمُ أنْ يَفِرَّ إلى العَصَبةِ [بمالِه] دونَ الابنةِ، وأصلُ هذا قِيامُ التُّهمةِ.
فإذا لم يُتَّهَمْ بمَن يَفِرُّ إليه دونَ مَنْ يَرثُ معَه، جازَ إِقرارُه، فهَذا أصلُ ذلك.
جاءَ في «المُدَوَّنة الكُبرى» في إِقرارِ المَريضِ لوارِثٍ بدَينٍ: قُلتُ: أرَأيتَ إنْ أقَرَّ لوارِثٍ بدَينٍ في مَرضِه الذي ماتَ فيه أيَجوزُ ذلك في قَولِ مالِكٍ؟ قالَ: قالَ مالِكٌ: لا يَجوزُ ذلك إلا ببَيِّنةٍ. قالَ: فقيلَ له: فالرَّجلُ يُقِرُّ لامرَأتِه في مَرضِه بالمَهرِ يَكونُ عليه أو بالدَّينِ. قالَ: يُنظَرُ في ذلك، فإنْ كان لا يُعرَفُ منها إليه ناحيةٌ ولا انقِطاعٌ وله وَلَدٌ مِنْ غَيرِها جازَ ذلك، وإنْ كانَ يُعرَفُ مِنه انقِطاعٌ إليها ومَودةٌ وقد كانَ الذي بينَه وبينَ وَلَدِه مُتَفاقِمًا، ولَعلَّ لها الوَلدَ