للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يُقبَلُ إِقرارُه للوارِثِ إلا أنْ يُجيزَه باقي الوَرثةِ لما رُويَ عن سَيِّدِنا عُمَرَ وابنِه سَيِّدِنا عَبدِ اللهِ أنَّهما قالا: «إذا أقَرَّ المَريضُ لوارِثِه لم يَجُزْ، وإذا أقَرَّ لأجنَبيٍّ جازَ» ولم يُروَ عن غَيرِهما خِلافُ ذلك، فيَكونُ إِجماعًا ولِأنَّه مُتَّهَمٌ في هذا الإِقرارِ لجَوازِ أنَّه آثَرَ بعضَ الوَرثةِ على بَعضٍ بمَيلِ الطَّبعِ أو بقَضاءِ حَقٍّ مُوجِبٍ للبَعثِ على الإِحسانِ، وهو لا يَملِكُ ذلك بطَريقِ التَّبَرُّعِ والوَصيةِ به فأرادَ تَنفيذَ غَرضِه بصورةِ الإِقرارِ مِنْ غيرِ أنْ يَكونَ للوارِثِ عليه دَينٌ، فكانَ مُتَّهمًا في إِقرارِه فيُرَدُّ، ولأنَّه لمَّا مرِضَ مَرضَ المَوتِ تَعلَّقَ حَقُّ الوَرثةِ بمالِه، ولِهذا لا يَملِكُ أن يَتبَرَّعَ عليه بشَيءٍ مِنْ الثُّلثِ مع ما أنَّه خالِصُ مِلكِه، لا حَقَّ لأجنَبيٍّ فيه، فكانَ إِقرارُه لبَعضِهم إِبطالًا لحَقِّ الباقينَ، فلا يَصحُّ في حَقِّهم، ولأنَّ الوَصيةَ لم تَجُزْ لوارِثٍ، فالإِقرارُ أوْلَى لأنَّه لو جازَ الإِقرارُ لارتَفَعَ بُطلانُ الوَصيةِ؛ لأنَّه يَميلُ إلى الإِقرارِ اختِيارًا للإيثارِ، بل هو أوْلَى مِنْ الوَصيةِ؛ لأنَّه لا يَذهَبُ بالوَصيةِ إلا الثُّلثُ، وبالإِقرارِ يَذهَبُ جَميعُ المالِ فكانَ إِبطالُ الإِقرارِ إِبطالَ الوَصيةِ بالطَّريقِ الأوْلَى (١).


(١) «مختصر اختلاف العُلماء» (٤/ ٢١٠)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٢٤) «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٠٨، ٣٠٩)، و «الدر المختار» (٥/ ٦١٠)، و «المدونة الكبرى» (١٣/ ٢١٣)، و «تهذيب المدونة» (٢/ ٢٢٢)، و «رسالة القيرواني» ص (١٣٧)، و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٨/ ١٥٧)، و «الكافي» ص (٤٥٧)، و «المغني» (٥/ ١٢٤)، و «كشاف القناع» (٦/ ٥٧٧)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٧٢١)، و «منار السبيل» (٣/ ٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>