للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أَبو حَنيفةَ: (إذا أقامَ المُدَّعي البَيَّنةَ، ثم أرادَ المُدَّعى عليه أنْ يُقيمَ البَيِّنةَ في مُقابَلتِه نُظِرَت: فإنْ كانَت تَشهَدُ بمِلكٍ مُطلَقٍ أو بمِلكٍ مُضافٍ إلى سَببٍ يَتكرَّرُ ذلك السَّببُ؛ مِثلَ أنْ تَكونَ الدَّعوَى في آنيةٍ تُسبَكُ وتُصاغُ ثانيًا وثالِثًا، أو في ثَوبِ كَتَّانٍ أو صُوفٍ يُنقَضُ ثم يُنسَجُ لم تُسمَعْ بيِّنتُه. وإنْ كانَت بيِّنتُه تَشهَدُ بمِلكٍ مُضافٍ إلى سَببٍ لا يَتكرَّرُ؛ مِثلَ أنْ تَكونَ الدَّعوَى في الدابَّةِ وشهِدَت بيِّنةُ المُدَّعي أنَّ الدابَّةَ له نَتَجَت في مِلكِه، وشهِدَت بيِّنةُ المُدَّعى عليه أنَّها له نتَجَت في مِلكِه فههنا بيِّنةُ الذي لا يَدَ له عليها أَولَى من بيِّنةِ صاحِبِ اليَدِ). وقالَ أَحمدُ: (بَيِّنةُ مَنْ لا يَدَ له أَولَى بكلِّ حالٍ).

دَليلُنا: ما رُويَ: «أنَّ رَجلَينِ اختَصَما إلى النَّبيِّ في دابَّةٍ، وأقامَ كلُّ واحِدٍ منهما بيِّنةً أنَّها له نتَجَت في مِلكِه، فجعَلَ النَّبيُّ الدابةَ لمَن هي في يَدِه». ولأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما معَه بيِّنةٌ، ومع أحَدِهما تَرجيحٌ باليَدِ قُدِّمَت بيِّنتُه، كالخَبَرينِ إذا تَعارَضا ومع أحَدِهما تَرجيحٌ (١).

وجاءَ في «المُدوَّنةِ الكُبرى»: في الرَّجلَينِ يَدَّعيانِ السِّلعةَ وهي في يَدِ أحَدِهما ويُقيمانِ جَميعًا البَيِّنةَ:

(قُلتُ): أرأيتَ لو أنَّ سِلعةً في يَدِ رَجلٍ ادَّعى رَجلٌ أنَّها له، وأقامَ البَيِّنةَ وادَّعَى الذي هي في يَدِه أنَّها له، وأقامَ البَيِّنةَ، لمَن هي؟ (قالَ): للذي هي في يَدِه عندَ مالِكٍ إذا تَكافأت البَيِّنتانِ في العَدالةِ (قال ابنُ القاسِمِ): وعليه اليَمينُ (٢).


(١) «البيان» (١٣/ ١٦٢، ١٦٣).
(٢) «المدونة الكبرى» (١٣/ ١٨٦، ١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>