للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلِمينَ الذينَ يُصلُّونَ معه ، ولا نقَلَ عنه أحَدٌ أنَّه صلَّى في بَيتِه قبلَ الخُروجِ يومَ الجمُعةِ، ولا وقَّتَ بقولِه صَلاةً مَقدورةً قبلَ الجمُعةِ، بل أَلفاظُه فيها التَّرغيبُ في الصَّلاةِ إذا قدِمَ الرَّجلُ المَسجدَ يومَ الجمُعةِ مِنْ غيرِ تَوقيتٍ، كقولِه: «مَنْ بكَّرَ وابتَكَرَ، وَمَشى ولَم يَركَب، وصلَّى ما كُتبَ لَه»، وهذا هو المَأثورُ عن الصَّحابةِ، كانوا إذا أتَوُا المَسجدَ يومَ الجمُعةِ يُصلُّونَ مِنْ حينِ يَدخُلونَ ما تَيسَّرَ، فمنهم مَنْ يُصلِّي عَشرَ رَكعاتٍ، ومنهم مَنْ يُصلِّي اثنَتَي عَشرَةَ رَكعةً، ومنهم مَنْ يُصلِّي ثَمانِيَ رَكعاتٍ، ومنهم مَنْ يُصلِّي أقَلَّ مِنْ ذلك، ولهذا كانَ جَماهيرُ الأئمَّةِ مُتَّفِقينَ على أنَّه ليسَ قبلَ الجمُعةِ سُنةٌ مُؤقَّتَةٌ بوَقتٍ، مُقدَّرةٌ بعددٍ؛ لأنَّ ذلك إنَّما يثبُتُ بقولِ النَّبيِّ أو فِعلِه، وهو لم يَسُنَّ في ذلك شَيئًا، لا بقولِه ولا بفِعلِه، وهذا مَذهبُ مالِكٍ ومَذهبُ الشافِعيِّ وأكثَرِ أَصحابِه، وهو المَشهورُ في مَذهبِ أحمدَ.

وذهَبَ طائِفةٌ مِنْ العُلماءِ إلى أنَّ قبلَها سُنةً، فمنهم مَنْ جَعَلها رَكعَتينِ، كما قالَه طائِفةٌ مِنْ أَصحابِ الشافِعيِّ وأحمدَ، ومنهم مَنْ جعَلَها أربَعًا، كما نُقلَ عن أَصحابِ أَبي حَنيفَةَ، وطائِفةٍ مِنْ أَصحابِ أحمدَ، وقد نُقلَ عن الإمامِ أحمدَ ما استَدلَّ به على ذلك، وهؤلاء منهم مَنْ يَحتَجُّ بحَديثٍ ضَعيفٍ، منهم مَنْ يَقولُ: هي ظُهرٌ مَقصورةٌ، وتَكونُ سُنةُ الظُّهرِ سُنتَها، وهذا خَطأٌ مِنْ وجهَينِ:

الأوَّلُ: أنَّ الجمُعةَ مَخصوصةٌ بأَحكامٍ تُفارِقُ بها ظُهرَ كلِّ يَومٍ باتِّفاقِ المسلِمينَ، وإن سُمِّيت ظُهرًا مَقصورةً فإنَّ الجمُعةَ يُشتَرطُ لها الوقتُ فلا

<<  <  ج: ص:  >  >>