للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُقضَى، وإنَّ الظُّهرَ تُقضَى، وإنَّ الجمُعةَ يُشتَرطُ لها العددُ، والاستِيطانُ، وإذنُ الإمامِ، وغيرُ ذلك، وإنَّ الظُّهرَ لا يُشتَرطُ لها شَيءٌ مِنْ ذلك؛ فلا يَجوزُ أن تُتَلقَّى أَحكامُ الجمُعةِ مِنْ أَحكامِ الظُّهرِ، مع اختِصاصِ الجمُعةِ بأَحكامٍ تُفارِقُ بها الظُّهرَ؛ فإنَّه إذا كانَت الجمُعةُ تُشارِكُ الظُّهرَ في حُكمٍ، وتُفارِقُها في حُكمٍ، لم يَكنْ إِلحاقُ مَورِدِ النِّزاعِ بإحداهُما إلا بدَليلٍ، فليسَ جَعلُ السُّنةِ مِنْ مَوارِدِ الاشتِراكِ بأَولَى مِنْ جَعلِها مِنْ مَوارِدِ الافتِراقِ.

الوَجهُ الآخَرُ: أن يُقالَ: هَب أنَّها ظُهرٌ مَقصورةٌ، فالنَّبيُّ لم يَكنْ يُصلِّي في سَفرِه سُنةَ الظُّهرِ المَقصورةِ، لا قبلَها ولا بعدَها، وإنَّما كانَ يُصلِّيها إذا أتَمَّ الظُّهرَ، فصلَّى أربَعًا، فإذا كانَت سُنَّتُه التي فعَلَها في الظُّهرِ المَقصورةِ خِلافَ التامَّةِ، كانَ ما ذَكَروه حُجَّةً عليهم لا لهم، وكانَ السَّببُ المُقتَضِي لِحَذفِ بعضِ الفَريضةِ أَولى بحَذفِ السُّنةِ الرَّاتبةِ، كما قالَ بعضُ الصَّحابةِ: لو كُنْتُ مُتطوِّعًا لَأتمَمتُ الفَريضةَ، فإنَّه لوِ استُحِبَّ للمُسافرِ أن يُصلِّي أربَعًا لَكانَت صَلاةُ الظُّهرِ أربَعًا أَولى مِنْ أن يُصلِّيَ رَكعَتينِ فَرضًا، ورَكعَتينِ سُنةً.

وهذا لأنَّه قد ثبَتَ بسُنَّةِ رَسولِ اللهِ المُتواتِرةِ أنَّه كانَ لا يُصلِّي في السَّفرِ إلا رَكعَتينِ الظُّهرَ والعَصرَ والعِشاءَ، وكذلك لمَّا حَجَّ بالنَّاسِ عامَ حَجةِ الوَداعِ، لم يُصلِّ بهم بمنًى، ولا بغيرِها إلا رَكعَتينِ، وكذلك أَبو بَكرٍ بعدَه لم يُصلِّ إلا رَكعَتينِ، وكذلك عمرُ، لم يُصلِّ إلا رَكعَتينِ. اه (١).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٤/ ١٨٨، ١٩١)، وانظر: «زاد المعاد» (١/ ٤٣١، ٤٣٢)، و «طرح التَّثريب» (٣/ ٣٥، ٣٧)، و «شرح الزرقاني» (١/ ٤٧٨)، و «نيل الأوطار» (٣/ ٣١٢، ٣١٤)، و «الإنصاف» (٢/ ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>