للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك كلُّ من ادَّعَى وَفاءَ ما عليه أو رَدَّ ما عندَه من غيرِ أمرٍ يُصدِّقُ دَعواه؛ فإنَّه مُدَّعٍ، إلا المُودَعَ إذا ادَّعَى رَدَّ الوَديعةِ؛ فإنَّه يُصدَّقُ لتَرجُّحِ جانِبِه بالاعتِرافِ له بالأَمانةِ (١).

وقالَ ابنُ جُزيٍّ : الفَرقُ بينَ المُدَّعي والمُدَّعَى عليه، وقالَ سَعيدُ بنُ المُسيِّبِ «مَنْ عرَفَ المُدَّعي والمُدَّعَى عليه لم يَلتَبِسْ عليه ما يَحكَمُ بَينَهما، قالَ: والمُدَّعي هو مَنْ يَقولُ: قد كانَ كذا، والمُدَّعَى عليه هو مَنْ يَقولُ: «لم يَكنْ»، وقالَ غَيرُه: المُدَّعي هو الطالِبُ والمُدَّعَى عليه هو المَطلوبُ، وقيلَ: المُدَّعي هو الذي دَعا صاحِبَه إلى الحُكمِ والمُدَّعَى عليه هو المَدعُوُّ، وقالَ المُحقِّقونَ: المُدَّعي هو مَنْ كانَ قَولُه أضعَفَ لخُروجِه عن مَعهودٍ أو لمُخالَفةِ أصلٍ، والمُدَّعى عليه هو مَنْ تَرجَّحَ قَولُه بعادةٍ أو مُوافَقةِ أصلٍ أو قَرينةٍ فالأصلُ كمَن له مالٌ على رَجُلٍ فضعُفَ قَولُ الطالِبِ، وهو مُدَّعٍ، وتَرجَّحَ قَولُ المَطلوبِ، وهو المُدَّعَى عليه؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّمةِ فلو كانَ الحَقُّ ثابِتًا وقالَ: «قد دَفَعتُه» صارَ مُدَّعيًا؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةٌ من الذِّمةِ من الدَّفعِ، ولأنَّ الأصلَ بَقاؤُه عندَه؛ لأنَّ الأصلَ بَقاءُ ما كانَ على ما كانَ إلا إنْ كانَ عُرفٌ يَقتَضي خِلافَ ذلك أو قَرينةٌ كمَن حازَ شَيئًا ثم ادَّعاه غَيرُه، فتَرجَّحَ قَولُ مَنْ حازَه فهو المُدَّعى عليه وضَعُفَ قَولُ الآخَرِ فهو مُدَّعٍ، فعلى هذا البَيِّنةُ على مَنْ ضعُفَ قَولُه، واليَمينُ على مَنْ قَويَ (٢).


(١) «عقد الجواهر الثمينة» (٣/ ١٠٧٥)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٥٥)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٧٧).
(٢) «القوانين الفقهية» ص (١٩٧، ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>