إذْ لا يَعرِضُ على مَنْ له اليَدُ حَقُّ المُدَّعي بمُجرَّدِ دَعواه، كما لا يَعرِضُ الوُجودُ على العَدمِ الأصليِّ فلم يَلزَمْ عليه ما قالَ بعضُ الفُضلاءِ، ومنهم مَنْ قالَ: المُدَّعي مَنْ يَلتمِسُ خِلافَ الظاهِرِ، ولا يَلزَمُ أنْ يَكونَ أمرًا حادِثًا، والمُدَّعَى عليه مَنْ يَتمسَّكُ بالظاهِرِ ولا يَلزَمُ أنْ يَكونَ عَدَمًا أصليًّا. انتَهى
لأنَّ المُرادَ بالأمرِ الحادِثِ كَونُه مُحتاجًا إلى الدَّليلِ في ظُهورِه ووُجودِه وبالعَدمِ الأصليِّ عَدمُ كَونِه مُحتاجًا إليه أصلًا، فالمُودَعُ الذي يَدَّعي رَدَّ الوَديعةِ إلى المُودِعِ لا يَكونُ مُدَّعيًا حَقيقةً، وكذا لا يَكونُ المُودِعُ بإِنكارِه الرَّدَّ مُنكِرًا حَقيقةً؛ لأنَّه بإِنكارِه يَدَّعي شَغلَ ذِمةِ المُودَعِ مَعنًى، وكذا المُودَعُ بادِّعائِه الرَّدَّ يُنْكِرُ الشَّغلَ مَعنًى ليُفرِغَ ذِمتَه عن الضَّمانِ فيُجبَرُ على الخُصومةِ فيما أنكَرَه مَعنًى من الضَّمانِ لكَونِه مُدَّعًى عليه فيُصدَّقُ قَولُه معَ اليَمينِ؛ إذِ الاعتِبارُ للمَعاني دونَ الصُّورِ كما في شَرحِ الوِقايةِ لابنِ الشَّيخِ (١).
وقالَ المالِكيةُ: المُدَّعي هو مَنْ تَجرَّدَت دَعواه عن أمرٍ يُصدِّقُه، أو كانَ أضعَفَ المُتداعيَينِ أمرًا في الدِّلالةِ على الصِّدقِ، أو اقتَرَن بها ما يُوهِنُها عادةً، وذلك كالخارجِ عن مَعهودٍ، والمُخالِفِ لأصلٍ، وشِبهِ ذلك.
ومَن تَرجَّحَ جانِبُه بشَيءٍ من ذلك فهو المُدَّعَى عليه.
فإذا ادَّعَى أحَدُهما ما يُخالِفُ العُرفَ، وادَّعَى الآخَرُ ما يُوافِقُه، فالأولُ المُدَّعي.
(١) «مجمع الأنهر وملتقى الأبحر» (٣/ ٣٤٤)، و «حاشية ابن عابدين» (٧/ ٤٠١).