للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ القَيمِ : الحُكمُ بالشاهِدِ واليَمينِ، هو مَذهبُ فُقهاءِ الحَديثِ كلِّهم، ومَذهبُ فُقهاءِ الأَمصارِ، ما خَلا أَبا حَنيفةَ وأَصحابَه (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّه لا يُحكَمُ بالشاهِدِ واليَمينِ ولا بدَّ من شاهِدَينِ أو شاهِدٍ وامرأتَينِ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وهذا يُوجِبُ بُطلانَ القَولِ بالشاهِدِ واليَمينِ، وذلك لأنَّ قَولَه: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] يَتضمَّنُ الإِشهادَ على عُقودِ المُدايَناتِ التي ابتَدَأ في الخِطابِ بذِكرِها ويَتضمَّنُ إقامَتَها عندَ الحاكِمِ ويَلزَمُ الحاكِمَ الأخْذُ بها لاحتِمالِ اللَّفظِ للحالَينِ، ولأنَّ الإِشهادَ على العَقدِ إنَّما الغَرضُ فيه إِثباتُه عندَ التَّجاحُدِ، فقد تَضمَّنَ لا مَحالةَ استِشهادَ الشاهِدَينِ أو الرَّجلِ والمَرأتَينِ على العَقدِ عندَ الحاكِمِ وإِلزامَه الحُكمَ به، وإذا كانَ كذلك فظاهِرُ اللَّفظِ يَقتَضي الإيجابَ؛ لأنَّه أمرٌ، وأوامِرُ اللهِ على الوُجوبِ، فقد ألزَمَ اللهُ الحاكِمَ الحُكمَ بالعَددِ المَذكورِ، كقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤]، وقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: ٢] ولم يَجزْ الاقتِصارُ على ما دونَ العَددِ المَذكورِ، كذلك العَددُ المَذكورُ للشَهادةِ غيرُ جائِزٍ الاقتِصارُ فيه على ما دونَه، وفي تَجويزِ أقَلَّ منه مُخالَفةُ الكِتابِ كما لو أجازَ مُجيزٌ أنْ يَكونَ حَدُّ القَذفِ سَبعينَ، أو حَدُّ الزِّنا تِسعينَ، كانَ مُخالِفًا للآيةِ.


(١) «الطرق الحكمية» ص (١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>