للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا قد انتَظَمَت الآيةُ شَيئَينِ من أمرِ الشُّهودِ أحَدُهما العَددُ، والآخَرُ الصِّفةُ، وهي أنْ يَكونوا أَحرارًا مَرضيِّينَ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، فلَمَّا لم يَجزْ إِسقاطُ الصِّفةِ المَشروطةِ لهم والاقتِصارُ على ما دونَها لم يَجزْ إِسقاطُ العَددِ؛ إذْ كانَت الآيةُ مُقتَضيةً لاستِيفاءِ الأمرَينِ في تَنفيذِ الحُكمِ بها، وهو العَددُ والعَدالةُ والرِّضا فغَيرُ جائِزٍ إِسقاطُ واحِدٍ منهما، والعَددُ أَولَى بالاعتِبارِ من العَدالةِ والرِّضا؛ لأنَّ العَددَ مَعلومٌ من جِهةِ اليَقينِ، والعَدالةُ إنَّما نُثبِتُها من طَريقِ الظاهِرِ، لا من طَريقِ الحَقيقةِ، فلمَّا لم يَجزْ إِسقاطُ العَدالةِ المَشروطةِ من طَريقِ الظاهِرِ لم يَجزْ إِسقاطُ العَددِ المَعلومِ من جِهةِ الحَقيقةِ واليَقينِ.

وأيضًا فلمَّا أرادَ اللهُ الاحتياطَ في إِجازةِ شَهادةِ النِّساءِ أوجَبَ شَهادةَ المَرأتَينِ وقالَ: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢]، ثم قالَ: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢]، فنَفَى بذلك أَسبابَ التُّهمةِ والرَّيبِ والنِّسيانِ، وفي مَضمونِ ذلك ما يَنفي قَبولَ يَمينِ الطالِبِ والحُكمَ له بشاهِدٍ واحِدٍ لما فيه من الحُكمِ بغَيرِ ما أُمِر به من الاحتِياطِ والاستِظهارِ ونَفيِ الرِّيبةِ والشَّكِّ، وفي قَبولِ يَمينِه أعظَمُ الرَّيبِ والشَّكِّ وأكبَرُ التُّهمةِ، وذلك خِلافُ مُقتَضى الآيةِ.

ويَدلُّ على بُطلانِ الشاهِدِ واليَمينِ قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وقد عَلِمنا أنَّ الشاهِدَ الواحِدَ غيرُ مَقبولٍ، ولا مُرادٍ بالآيةِ، ويَمينُ الطالِبِ لا يَجوزُ أنْ يَقعَ عليها إثمُ الشاهِدِ، ولا يَجوزُ أنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>