وفي رِوايةٍ أنَّ عُمرَ لمَّا شُهِدَ عندَه على المُغيرةِ شهِدَ ثَلاثةٌ وبَقيَ زيادٌ، فقالَ عُمرُ:«أَرى شابًّا حَسنًا وأَرجو ألَّا يَفضَحَ اللهُ على لِسانِه رَجلًا من أَصحابِ مُحمدٍ رَسولِ اللهِ ﷺ، فقالَ: يا أميرُ، رَأيتُ استًا تَنبو ونَفَسًا يَعلو ورَأيتُ رِجلَيها فَوقَ عُنقِه كأنَّهما أُذُنا حِمارٍ، ولا أدْري ما وَراءَ ذلك، فقالَ عُمرُ: اللهُ أكبَرُ، وأمَرَ بالثَّلاثةِ فضُرِبوا».
وقَولُ عُمرَ: يا سَلحَ العُقابِ معناه أنَّه يُشبِهُ سَلحَ العُقابِ الذي يَحرِقُ كلَّ شَيءٍ أصابَه، وكذلك تُوقَعُ العُقوبةُ بأحَدِ الفَريقَينِ لا مَحالةَ، إنْ كَمُلَت شَهادَتُه حُدَّ المَشهودُ عليه، وإنْ لم تَكمُلْ حُدَّ أَصحابُه؛ فإنْ قيلَ: فقد خالَفَهم أَبو بَكرةَ وأَصحابُه الذين شهِدوا، قُلنا: لم يُخالِفوا في وُجوبِ الحَدِّ عليه إنَّما خالَفوهم في صِحةِ ما شَهِدوا به، ولأنَّه رامٍ بالزِّنا لم يأتِ بأربَعةِ شُهداءَ، يَجبُ عليه الحَدُّ كما لو لم يأتِ بأحَدٍ.
فَصلٌ: وإنْ اكتَمَلوا أربَعةً غيرَ مَرضيِّينَ أو كانَ واحِدٌ منهم كالعَبيدِ والفُساقِ والعُميانِ ففيهم ثَلاثُ رِواياتٍ:
إِحداها: عليهم الحَدُّ، وهو قَولُ مالِكٍ، قالَ القاضِي: هذا الصَّحيحُ؛ لأنَّها شَهادةٌ لم تَكمُلْ، فوجَبَ الحَدُّ على الشَّهادةِ كما لو كانوا ثَلاثةً.
والثانِيةُ: لا حَدَّ عليهم، وهو قَولُ الحَسنِ والشَّعبيِّ وأَبي حَنيفةَ ومُحمدٍ؛ لأنَّ هؤلاءِ قد جاؤُوا بأربَعةِ شُهداءَ فدَخلوا في عُمومِ الآيةِ؛ لأنَّ عَددَهم قد كمُلَ، ورَدَّ الشَّهادةَ لمَعنًى غيرِ تَفريطِهم، فأشبَهَ ما لو شهِدَ أربَعةٌ مَستورونَ ولم تَثبُتْ عَدالَتُهم ولا فِسقُهم.