للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبيحًا، فرِحَ عُمرُ وحمِدَ اللهَ، ولم يُقمِ الحَدَّ عليه، وكان بمَحضَرٍ من الصَّحابةِ، ولم يُنكَرْ» (١). فدَرَأ عنه عُمرُ الحَدَّ؛ لأنَّه لم يُصرِّحْ بالقَذفِ، وضرَبَ الثَّلاثةَ حَدَّ القَذفِ.

قال ابنُ قُدامةَ : وإذا لم تَكمُلْ شُهودُ الزِّنا فعليهم الحَدُّ في قَولِ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، منهم مالِكٌ والشافِعيُّ وأَصحابُ الرأيِ، وذكَرَ أَبو الخَطابِ فيهم رِوايتَينِ وحُكيَ عن الشافِعيِّ فيهم قَولانِ، أحَدُهما: لا حَدَّ عليهم؛ لأنَّهم شُهودٌ، فلم يَجِبْ عليهم الحَدُّ، كما لو كانوا أربَعةً أحَدُهم فاسِقٌ.

ولنا: قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤] وهذا يُوجِبُ الجَلدَ على كلِّ رامٍ لَم يَشهَدْ بما قالَ أربَعةٌ ولأنَّه إِجماعُ الصَّحابةِ؛ فإنَّ عُمرَ جلَدَ أَبا بَكرةَ وصاحِبَيه حين لم يُكمِلِ الرابِعُ شَهادتَه بمَحضَرٍ من الصَّحابةِ فلم يُنكِرْه أحَدٌ.

ورَوى صالِحٌ في مَسائِلِه بإِسنادِه عن أَبي عُثمانَ النَّهديِّ قالَ: «جاءَ رَجلٌ إلى عُمرَ فشهِدَ على المُغيرةِ بنِ شُعبةَ، فتغيَّرَ لَونُ عُمرَ، ثم جاءَ آخَرُ فشهِدَ، فتغيَّرَ لَونُ عُمرَ، ثم جاءَ آخَرُ فشهِدَ، فاستَكبَرَ ذلك عُمرُ، ثم جاء شابٌّ يَخطُرُ بيَدَيه، فقالَ عُمرُ: ما عِندَك يا سَلحَ العُقابِ؟ وصاحَ به عُمرُ صَيحةً فقالَ أَبو عُثمانَ: واللهِ لقد كِدتُ يُغشَى علَيَّ، فقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، رأيت أمرًا قَبيحًا، فقالَ: الحَمدُ للهِ الذي لم يُشمِتِ الشَّيطانَ بأَصحابِ مُحمدٍ ، قالَ: فأمَرَ بأولئك النَّفَرِ فجُلِدوا».


(١) صَحِيحٌ: رواه الطحاوي (٢/ ٢٨٦ - ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>