للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانِي: لا يَجوزُ له ذلك؛ لأنَّ التُّهمةَ تَلحَقُه بأخْذِ العِوضِ (١).

وقالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ : ليسَ للشاهِدِ أَخذُ رِزقٍ لتَحمُّلِ الشَّهادةِ من الإِمامِ أو أحدِ الرَّعيةِ. وأمَّا أخْذُه من بَيتِ المالِ فهو كالقاضي، وتقدَّمَ تَفصيلُه، وإنْ قالَ ابنُ المَقَّريِّ: ليسَ له الأخْذُ مُطلَقًا، وقالَ غيرُه: له ذلك بلا تَفصيلٍ، وله بكلِّ حالٍ أَخذُ أُجرةٍ من المَشهودِ له على التَّحملِ، وإنْ تَعيَّنَ عليه إنْ دُعيَ له؛ فإنْ تحمَّلَ بمَكانِه فلا أُجرةَ له.

وليسَ له أَخذُ أُجرةٍ للأَداءِ، وإنْ لم يَتعيَّنْ عليه؛ لأنَّه فَرضٌ عليه، فلا يَستحِقُّ عِوضًا، ولأنَّه كَلامٌ يَسيرٌ لا أُجرةَ لمِثلِه.

وفارَقَ التَّحمُّلَ بأنَّ الأخْذَ للأَداءِ يُورِثُ تُهمةً قَويةً معَ أنَّ زَمنَه يَسيرٌ ولا تَفوتُ به مَنفعةٌ مُتقوَّمةٌ، بخِلافِ زَمنِ التَّحمُّلِ إلا إنْ دُعيَ من مَسافةِ عَدوَى فأكثَرَ فله نَفقةُ الطَّريقِ وأُجرةُ المَركوبِ، وإنْ لم يَركَبْ. نَعمْ لمَن في البَلدِ أَخذُ الأُجرةِ إنِ احتاجَ إليها، وله صَرفُ ما يُعطيه له المَشهودُ له إلى غيرِ النَّفقةِ والأُجرةِ، وكذا مَنْ أعطَى فَقيرًا شَيئًا ليَكسوَ به نَفسَه، فللفَقيرِ أنْ يَصرِفَه لغيرِ الكِسوةِ، ثم إنْ مَشى الشاهِدُ من بَلدٍ إلى بَلدٍ معَ قُدرتِه على الرُّكوبِ، قد تَنخرِمُ المُروءةُ فيَظهرُ امتِناعُه فيمَن هذا شأنُه، قالَه الإِسنَويُّ. قالَ الأذرَعيُّ: لا يَتقيَّدُ ذلك ببلدَينِ، بل قد يأتي في البَلدِ الواحِدِ، فيُعدُّ ذلك خَرمًا للمُروءةِ إلا أنْ تَدعوَ الحاجةُ إليه، أو يَفعلَه تَواضُعًا (٢).


(١) «البيان» (١٣/ ٢٦٩).
(٢) «مغني المحتاج» (٦/ ٤١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>