رَشوةً قادِحةً في عَدالتِه؛ لأنَّه أخَذَ أجرًا على أَداءِ واجِبٍ عليه فهو بمَنزلةِ مَنْ أخَذَ أَجرًا على الصَّلاةِ وهو لا يَجوزُ.
أمَّا إنْ لم يَمتنِعْ ودفَعَ له المَشهودُ له شَيئًا من غيرِ طَلبٍ أو لم تَكنْ له دابَّةٌ وتَعسَّر عليه المَشيُ إلى مَحلِّ أَداءِ الشَّهادةِ فليسَ بجَرحٍ ويَجوزُ له في الثانيةِ أنْ يَنتفِعَ من المَشهودِ له بدابَّةٍ يَركَبُها إلى مَحلِّ أَداءِ الشَّهادةِ؛ لأنَّه حينَئذٍ قد سقَطَ عنه أَداؤُها، ولا يَكونُ ذلك قادِحًا في شَهادتِه.
أمَّا إذا كانَ الشاهِدُ بينَه وبينَ أَداءِ الشَّهادةِ مَسافةُ القَصرِ؛ فإنَّه لا يَلزمُه حينَئذٍ أنْ يَسيرَ إلى مَحلِّ أَداءِ الشَّهادةِ، بل يُؤدِّيها عندَ القاضِي الذي هو في بَلدِه، ويَكتُبُ بها إلى ذلك القاضِي الذي على مَسافةِ القَصرِ، ويَجوزُ للشاهِدِ حينَئذٍ أنْ يَنتفعَ من المَشهودِ له بدابَّةٍ يَركبُها إلى مَحلِّ أَداءِ الشَّهادةِ، وبنَفقةٍ له ولأهلِ بَيتِه مُدةَ ذَهابِه وإِيابِه من غيرِ تَحديدٍ؛ لأنَّه أخْذٌ عن شَيءٍ لا يَجبُ عليه (١).
والأَصلُ عندَ الشافِعيةِ أنَّه إنْ تعيَّنَ عليه فَرضُ تَحمُّلِ الشَّهادةِ أو أَدائِها لم يَجزْ له أنْ يَأخذَ على ذلك أُجرةً؛ لأنَّه فَرضٌ تَوجَّه عليه، فلا يَجوزُ أنْ يَأخذَ عليه أُجرةً، كالصَّلاةِ، فإنْ لم يَتعيَّنْ عليه فهل يَجوزُ له أنْ يَأخذَ عليه أُجرةً؟ فيه وَجهانِ:
أَحدُهما: يَجوزُ؛ لأنَّه وَثيقةٌ بالحَقِّ ولم يَتعيَّنْ عليه، فجازَ له أَخذُ الأُجرةِ عليها، ككِتابةِ الوَثيقةِ.
(١) «شرح مختصر خليل» (٧/ ٢١٣، ٢١٤)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ١١٥)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١٦٢).