للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الإمامُ أبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ -كما تَقدَّمَ- والشافِعيةُ في القَديمِ والحَنابلةُ في قَولٍ وهو اختِيارُ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ وابنِ القيمِ إلى أنه يَجوزُ التعزيرُ بالمالِ.

قالَ الإمامُ عليُّ بنُ خَليلٍ الطَّرابلسيُّ الحَنفيُّ : (مَسألةٌ): يَجوزُ التعزيرُ بأخذِ المالِ، وهو مَذهبُ أبي يُوسفَ، وبه قالَ مالكٌ، ومَن قالَ: «إنَّ العَقوبةَ الماليةَ مَنسوخةٌ» فقدْ غَلطَ على مَذاهبِ الأئمَّةِ نَقلًا واستِدلالًا، وليسَ بسَهلٍ دعوَى نَسخِها.

وفِعلُ الخُلفاءِ الراشِدينَ وأكابرِ الصحابةِ لها بعدَ موتِه مُبطِلٌ لدَعوى نَسخِها، والمُدَّعونَ للنسخِ ليسَ معهُم سُنةٌ ولا إجماعٌ يُصحِّحُ دَعواهُم، إلا أنْ يقولَ أحَدُهم: «مَذهبُ أصحابِنا لا يُجوِّزُ»، فمَذهبُ أصحابِه عندَه عَياءٌ على القَبولِ والردِّ (١).

وحكَى الإمامُ ابنُ فَرحونٍ اليَعمُريُّ المالِكيُّ أنَّ المالِكيةَ يُجوِّزونَ التعزيرَ بالمالِ، فقالَ : والتعزيرُ بالمالِ قالَ به المالِكيةُ فيه، ولهم تَفصيلٌ ذكَرتُ منه في كِتابِ الحِسبةِ طرَفًا، فمِن ذلكَ: سُئلَ مالكٌ عن اللَّبنِ المَغشوشِ أيُهراقُ؟ قالَ: لا، ولكنْ أرَى أنْ يُتصدقَ به إذا كانَ هو الذي غَشَّه، وقالَ في الزَّعفرانِ والمِسكِ المَغشوشِ مثلَ ذلكَ، قَليلًا أو كَثيرًا، وخالَفَه ابنُ القاسِمِ في الكَثيرِ وقالَ: يُباعُ المِسكُ والزَّعفرانِ على مَنْ لا يُغَشُّ به ويُتصدقُ بالثمنِ أدبًا للغاشِّ (٢).


(١) «معين الحكام» ص (١٩٥).
(٢) «تبصرة الحكام» (٢/ ٢٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>