قالَ أبو يُوسفَ ﵀: فقلَّدتُه في نُقصانِ الخَمسةِ واعتَبرتُ عنه أدنَى الحُدودِ. ورُويَ عنه أنه قالَ: أخَذتُ كل نوعٍ مِنْ بابِه وأخَذتُ التعزيرَ في اللَّمسِ والقُبلةِ مِنْ حَدِّ الزِّنا، والقَذفَ بغيرِ الزنا مِنْ حَدِّ القذفِ؛ ليَكونَ إلحاقَ كلَّ نوعٍ ببابِه.
وأبو حَنيفةَ صرَفَه إلى حَدِّ المَماليكِ وهو أربَعونَ؛ لأنه ذكَرَ حَدًّا مُنكَّرًا، فيَتناولُ حَدًّا ما، وأربَعونَ حَدٌّ كاملٌ في المَماليكِ، فيَنصرفُ إليه، ولأنَّ في الحَملِ على هذا الحَدِّ أخذًا بالثقةِ والاحتياطِ؛ لأنَّ اسمَ الحدِّ يَقعُ على النوعينِ.
فلو حمَلْناهُ على ما قالَه أبو حَنيفةَ يَقعُ الأمنُ عن وَعيدِ التبليغِ؛ لأنه لا يَبلغُ، ولو حمَلْناهُ على ما قالَه أبو يُوسفَ لا يَقعُ الأمنُ عنه؛ لاحتِمالِ أنه أرادَ به حَدَّ المَماليكِ، فيَصيرُ مُبلَّغًا غيرَ الحَدِّ فيَلحقُه الوَعيدُ، فكانَ الاحتياطُ فيما قالَه أبو حَنيفةَ ﵀(١).
وذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ إلى أنَّ التعزيرَ ربَّما كانَ أكثَرَ مِنْ الحُدودِ إذا أدَّى الإمامَ اجتهادُه إلى ذلكَ لعِظمِ الجُرمِ، حتى لو أدَّى إلى المَوتِ فلا إثْمَ عليه ولا ديَةَ إذا لم يَقصدْ ذلكَ، وإنما قصَدَ التشديدَ فيما يَقتضي التَّشديدَ كسَبِّ الصحابةِ وآلِ البيتِ ونحوِ ذلكَ فأدَّى إلى الهَلاكِ،
(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٦٤)، ويُنظَر: «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٣٠٤، ٣٠٥)، وتحفة الفقهاء (٢/ ٦٤٦)، و «المبسوط» (٩/ ٧١)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٧٣، ٣٧٤)، و «اللباب» (٢/ ٣١٨، ٣١٩)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٣٣٢).