للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دونَ الآخَرينَ، وهذا قولُ مالِكٍ؛ فإنَّه قالَ: لا أَرى الجمُعةَ إلا لِأهلِ القَصَبةِ، وذلك لأنَّ لِهذه المَعاني مَزيَّةً تَقتَضي التَّقديمَ؛ فقُدِّمَ بها كجمُعةِ الإمامِ، ويُحتَملُ أن تَصحَّ السابقةُ منها دونَ الأُخرى؛ لأنَّ إذنَ الإمامِ آكَدُ، ولذلك اشتُرِطَ في إحدى الرِّوايتَينِ، وإن لم يَكنْ لإحداهُما مَزيَّةٌ لكَونِهما جَميعًا مَأذونًا فيهما، أو غيرَ مَأذونٍ في واحدةٍ منهما وتَساوَى المكانانِ في إِمكانِ إقامةِ الجمُعةِ في كلِّ واحدةٍ منهما، فالسابِقةُ هي الصَّحيحةُ؛ لأنَّها وقَعَت بشُروطِها، ولم يُزاحِمها ما يُبطِلُها، ولا سبَقَها ما يُغنِي عنها، والثانيةُ باطِلةٌ؛ لكَونِها واقِعةً في مِصرٍ أُقيمت فيه جمُعةٌ صَحيحةٌ تُغنِي عمَّا سِواها.

ويُعَدُّ السَّبقُ بالإِحرامِ؛ لأنَّه متى أَحرمَ بإحداهُما حرُمَ الإِحرامُ بغيرِها؛ للغِنى عنها، فإن وقَعَ الإِحرامُ بهما معًا فهُما باطِلتَانِ معًا؛ لأنَّه لا يُمكِنُ صحَّتُهما معًا، وليسَت إحداهُما بالفَسادِ أَولى مِنْ الأُخرى، فبطَلَتا، كالمُتزوِّجِ أُختَينِ، أو إذا زوَّجَ الوَلِيَّانِ رَجلَينِ، وإن لم تُعلَمِ الأُولى منهما، أو لم يُعلَمْ كَيفيَّةُ وُقوعِهما بطَلَتا أيضًا؛ لأنَّ إحداهُما باطِلةٌ ولم تُعلَمْ بعَينِها، وليسَت إحداهُما بالإبطالِ أَولى مِنْ الأُخرى؛ فبطلَتَا كالمَسألتَينِ.

ثم إن عَلِمنا فَسادَ الجمُعتَينِ لوُقوعِهما معًا، وجَبَ إعادةُ الجمُعةِ إن أمكَنَ ذلك؛ لبَقاءِ الوقتِ؛ لأنَّه مِصرٌ ما أُقيمَت فيه جمُعةٌ صَحيحةٌ، والوقتُ مُتَّسعٌ لإقامَتِها؛ فلزِمَتهم، كما لو لم يُصَلُّوا شَيئًا، وإن تَيقَّنا صحَّةَ إحداهُما لا بعَينِها، فليسَ لهُم أن يُصَلُّوا إلا ظُهرًا؛ لأنَّه مِصرٌ تَيقَّنَّا سُقوطَ فَرضِ الجمُعةِ فيه بالأُولَى منهما؛ فلم يَجزْ إقامةُ الجمُعةِ فيه، كما لو عَلِمناها، وقالَ القاضي: يُحتَملُ أنَّ لهم إقامةَ جمُعةٍ أُخرى؛ لأنَّنا حَكَمنا بفَسادِهما

<<  <  ج: ص:  >  >>