للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ أبو داودَ: سَمِعتُ أحمدَ يَقولُ: أيُّ حَدٍّ كانَ يُقامُ بالمَدينةِ؟ قدِمَها مُصعَبُ بنُ عميرٍ وهم مُختبِئونَ في دارٍ، فجمَّعَ بهم وهُم أربَعونَ.

فَصلٌ: فأمَّا مع عدمِ الحاجةِ فلا يَجوزُ في أكثرَ مِنْ واحدٍ، وإن حصَلَ الغِنَى باثنَينِ لم تَجُزِ الثَّالثةُ، وكذلك ما زادَ لا نَعلمُ في هذا مُخالِفًا إلا أنَّ عطاءً قيلَ له: إنَّ أهلَ البَصرةِ لا يَسَعُهم المَسجدُ الأكبَرُ، قالَ: «لكلِّ قَومٍ مَسجدٌ يُجمِّعونَ فيه، ويُجزِئُ ذلك مِنْ التَّجميعِ في المَسجدِ الأكبَرِ»، وما عليه الجُمهورُ أَولى؛ إذ لمْ يُنقلْ عن النَّبيِّ وخُلفائِه أنَّهم جَمَّعوا أكثرَ مِنْ جمُعةٍ؛ إذ لمْ تَدعُ الحاجةُ إلى ذلك. ولا يَجوزُ إثباتُ الأَحكامِ بالتَّحكُّمِ بغيرِ دَليلٍ.

فإن صَلوا جمُعتَينِ في مِصرٍ واحدٍ مِنْ غيرِ حاجةٍ، وإحداهُما جمُعةُ الإمامِ فهي صَحيحةٌ -تَقدَّمت أو تَأخَّرت- والأُخرى باطِلةٌ؛ لأنَّ في الحُكمِ ببُطلانِ جمُعةِ الإمامِ افتِئاتًا عليه، وتَفويتًا له الجمُعةَ، ولمَن يُصلِّي معه، ويُفضِي إلى أنَّه متى شاءَ أربَعونَ أن يُفسِدوا صَلاةَ أهلِ البَلدِ أمكَنَهم ذلك، بأن يَجتَمِعوا في مَوضعٍ، ويَسبِقوا أهلَ البَلدِ بصَلاةِ الجمُعةِ، وقيلَ: السابقةُ هي الصَّحيحةُ؛ لأنَّها لم يَتقدَّمْها ما يُفسِدُها، ولا تفسُدُ بعدَ صحَّتِها بما بعدَها.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لمَا ذكَرْنا، وإن كانَت إحداهُما في المَسجدِ الجامِعِ، والأُخرى في مَكانٍ صَغيرٍ لا يَسعُ المُصلِّينَ، أو لا يُمكِنُهم الصَّلاةُ فيه؛ لاختِصاصِ السُّلطانِ وجُندِه به أو غيرِ ذلك، أو كانَ أحدُهما في قَصَبةِ البَلدِ، والآخَرُ في أقصَى المَدينةِ، كانَ مَنْ وُجِدت فيه هذه المَعاني صَلاتُهم صَحيحةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>