للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَدلُّ عليه قَولُ عليٍّ: «جلَدَ رَسولُ اللهِ أربَعينَ، وأبو بَكرٍ أربعَينَ، وعُمرُ ثَمانينَ، وكِلاهُما سُنةٌ، وهذا أحَبُّ إليَّ»، ومعناهُ: الاقتِصارُ على حَدِّ الخَمرِ سُنةٌ وضَمُّ التَّعزيرِ إليه سُنةٌ.

فإنْ قيلَ: فالتَّعزيرُ لا يَبلغُ عندَكم أربَعينَ؟

قُلنا: لا يَجوزُ له أنْ يَبلغَ به الأربَعينَ على زلَّةٍ واحِدةٍ، فأمَّا إذا كانَتْ زَلَّاتٌ .. فلا يَمنعُ أنْ يُبلغَ به أربَعينَ، وهاهُنا منه زَلاتُ الهَذَيانِ والافتراءِ … (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ حَدَّ الحُرِّ إذا شَربَ الخَمرَ عالِمًا مُختارًا وكانَ مُسلمًا بالغًا ثَمانونَ جَلدةً، وإنْ كانَ عَبدًا فأربَعونَ؛ لأنهُ الذي استَقرَّ عليه إجماعُ الصَّحابةِ، وأنَّ فِعلَ النبيِّ لم يَكنْ للتَّحديدِ، فعنْ أنسِ بنِ مالكٍ «أنَّ نَبيَّ اللهِ جلَدَ في الخَمرِ بالجَريدِ والنِّعالِ، ثمَّ جلَدَ أبو بَكرٍ أربَعينَ، فلمَّا كانَ عُمرُ ودَنَا الناسُ مِنْ الرِّيفِ والقُرَى قالَ: ما تَرَونَ في جَلدِ الخَمرِ؟ فقالَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ: أرَى أنْ تَجعلَها كأخَفِّ الحُدودِ ثَمانينَ، قالَ: فجلَدَ عُمرُ ثَمانينَ» (٢)، وكانَ بمَحضرٍ مِنْ الصحابةِ فاتَّفقُوا عليه، فكانَ إجماعًا.

ولِما رَوى أبو وَبرةَ الكَلبيُّ قالَ: «أرسَلَني خالِدُ بنُ الوليدِ إلى عُمرَ، فأَتيتُه


(١) «البيان» (١٢/ ٥٢٤، ٥٢٤)، ويُنظَر: و «الحاوي الكبير» (١٣/ ٤١٢، ٤١٣)، و «شرح صحيح مسلم» (١١/ ٢١٧)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٢٢٩، ٢٣١)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٥١٠، ٥١١)، و «تحفة المحتاج» (١١/ ٩٨، ١٠١)، و «المغني» (٩/ ١٣٧)، و «الإنصاف» (١٠/ ٢٣٠)، و «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٦٠١).
(٢) رواه مسلم (١٧٠٦)، وأبو داود (٤٤٧٩)، والترمذي (١٤٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>