للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعَه عثمانُ وعليٌّ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ وطَلحةُ والزُّبيرُ، فقلتُ: إنَّ خالِدًا يَقرأُ عَليكَ السَّلامَ ويقولُ: إنَّ الناسَ قد انهَمَكوا في الخَمرِ وتَحاقَروا العُقوبةَ فيه؟ فقالَ عُمرُ: فما تَرَونَ؟ فقالَ عليٌّ: إنه إذا شَربَ .. سَكِرَ، وإذا سَكرَ .. هذَى، وإذا هذَى .. افتَرى، فيُحَدُّ حَدَّ المُفتَري، فقالَ عُمرُ: أَبلِغْ صاحِبَكَ ما قالَ، فجلَدَ خالِدُ ثَمانينَ، وجلَدَ عُمرُ ثَمانينَ، وكانَ عُمرُ إذا أُتِيَ بالرجلِ المُنهمِكِ بالشُّربِ .. جلَدَه ثَمانينَ، وإذا أُتِيَ بالرجلِ الضعيفِ الذي كانَتْ منه الزلَّةُ .. جلَدَه أربَعينَ» (١)، فثبَتَ بهذا كلِّه أنَّ التَّوقيفَ في حَدِّ الخَمرِ على ثَمانينَ إنما كانَ في زَمنِ عُمرَ وانعِقاد إجماعِ الصحابةِ على ذلكَ، فلا تَجوزُ مُخالَفتُهم؛ لأنَّ إجماعَهم مَعصومٌ، كما أجمَعوا على مُصحَفِ عُثمانَ ومَنَعوا ممَّا عَداهُ، فانعَقدَ الإجماعُ على ذلك ولَزمَتِ الحُجةُ به.

ومِن الاعتبارِ: أنه حَدٌّ يَجبُ على الحُرِّ، فلمْ يَتقدَّرْ بالأربعينَ كالقَذفِ، ولأنَّ حَدَّ القَذفِ أخَفُّ وحَدَّ الشُربِ أغلَظُ؛ لِما في النفوسِ مِنْ الداعِي إليه وغَلبةِ الشهوةِ عليهِ، فكانَ إنْ لم يُزَدْ عليه فأَولى أنْ لا يُنقَصَ عنه، ولأنَّ الزيادةَ على الأربَعينَ لو كانَتْ تَعزيرًا لم يَجُزْ أنْ تَبلغَ أربعينَ؛ لأنَّ التعزيرَ لا يَجوزُ أنْ يكونَ مُساوِيًا للحَدِّ (٢).


(١) حَدِيثٌ ضَعَيفٌ: رواه الحاكم في «المستدرك» (٨١٣١)، والدراقطني (٣٣٢١)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٧٣١٧).
(٢) «بدائع الصنائع» (٥/ ١١٣)، و «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٣٩٤، ٣٩٦)، و «الاستذكار» (٨/ ٩)، و «شرح السنة» (١٠/ ٣٣٣)، و «الذخيرة» (١٢/ ٢٠٤)، و «فتح الباري» (١٢/ ٧٢)، و «المغني» (٩/ ١٣٧)، و «الكافي» (٤/ ٢٣٣)، و «الإنصاف» (١٠/ ٢٣٠)، و «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٦٠١)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٢٢، ٣٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>